[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

النوم بلا خيمة

في ذهني جيل بأسره من فتيان وصلوا صنعاء ولم يعودوا قادرين على الفكاك من مساءاتها ومآزقها، وذلك النوع من اضطرار الفتى اليومي للبحث عن غرفة يبيت فيها بفندق رخيص أو عند قريب.

الاقتراض اليومي والأسرة التي في قريته تنتظر منه تحقيق فوز في ميدان الطموحات ورفع الرأس.

كل أسرة تريد من فتاها أن يرفع رأسها في بيئة مكتظة بتحاسد القرويين وايذاء بعضهم وترقب خيبة الرجاء.

يريدون منه رفع رأسهم برأسه الأعزل الضاج بالخذلان والحرج.
بوده لو يحقق طموحهم، غير أنهم قذفوه إلى الميدان أعزل حتى أنهم لم يمنحوه من التربية غير مكان حول المائدة يتركون له تناول الطعام في البيت معتقدين أن نموه الجسماني في البيت هو التربية. وكلما استوت تفاصيله الجسدية وبرزت عضلاته كلما شعروا أكثر أنهم في الطريق الصائب لتربية رجل.

ويتورط الإنسان في جملة التزامات اجتماعية وميتافيزيقية ويدين لذاته بعشاء وفرش وفي الصباح عليه الاستيقاظ هذه الأيام بدون ساحة تغيير، وكأنه لم يعد شاباً ثورياً مؤخراً، فما الذي يفعله في هذه المساءات عدا التعايش مع رائحة من سبقوه على هذا الفرش الذي تنبعث منه رائحة جيل.

متاعب النوم في صنعاء بالنسبة لشاب وصل من قريته كأحد أبناء الطبقة الوسطى التي تُصر على ربط تعليم أبنائها بطموحات وظيفية..

لقد قضى فتيان كثيرون الليالي المنصرمة من العام الثوري هذا وسقف طموحاتهم، رغم نبالتهم قد تجاوز الطموحات الوظيفية إلى المشاركة في مستوى أعلى من خيارات السياسة ونفوذ الدولة.

هذا ليس عادلاً البته. أن يستيقظ أحدهم في ساحة التغيير وقدماه مكشوفتان، وقد أزالوا الخيمة دون أن يوقظوه.

في الرومانسية المتعارف عليها عالمياً يقول الإنسان (دعني أحلم) أو على رأي أم كلثوم (ما تصحََّنيش).

لكن أن تنزع خيمتي وأنا نائم في ساحة التغيير فهذا لا يعني أنك تركتني أحلم بقدر ما هو قرار بإلقائي على الرصيف وقد جردتني من شروط حلمي..

أفكر الآن في جماعة 15 يناير وأتساءل ما الذي سيفعلونه بعد؟ وأين سيمضي فتيان بيت الحقب لياليهم؟

كيف يشعر أحمد عبد اللطيف الآن؟ وما الذي تعنيه الثورة والأحلام لجيل كان قد اعتقد أنه صاحب القرار والموجه الأول لخيارات البلد.

ثم إن هناك شيئاً مؤذياً لمشاعر شباب الساحة وهم يراقبون الصراع بين الحوثيين والإصلاح على استخدام الساحة، واستخدامهم ذلك ينال من نرجسية الحالم، وقد يدفعه لتجشم عناء اللا مبالاة أو القبول بالانتقال من التعارك مع التخلف إلى التعارك مع طرف لحساب آخر.

جيلُنا مثخن أكثر من القدرة على تفهم أننا شاركنا أو فرضنا شروط معادلة جديدة لإنجاز حالة جديدة والعودة بعدها لممارسة الحياة الاعتيادية..
المشكلة أنه ليس لدى الكثيرين حياة غير هذه الثورة والساحة والحماس والمناقشات. المعضلة هذه مرتبطة بأزمة تواجد الشخصية اليمنية مؤخرا.. وحصرية هذا التواجد في الفعل السياسي كما هو من خلال التحزب منذ الوحدة وكما هو حاصل في الثورة...

أو البحث عن فيزا للسعودية، والمشاركة من هناك بآراء وتحيزات عبر الانترنت.
لم يقل أحد الشباب إنه يريد كلمة مجاملة أو وعداً من قبل المشترك أو باسندوة يقدمون له في تقرير سياسي بما حدث.. لكن البعض قد اكتفى مؤخراً ولو بالبرتوكول الخطابي عن دور الشباب وأهمية هذا الجيل الذي قاد السفينة وما شابه..

لا أسوأ من التنظير الذي يقدمه أحدنا لفتى لا يدري كيف يتصرف بلا خيمة.
وكم أنه ثقيل الحديث عن (سرقة الثورة وخديعة الجيل).

هم الآن بحاجة لأن يقدم كلٌ منهم روايته الشخصية لما حدث.. إذ لم يعد مهماً الآن كيف أمضى الشباب أيامهم خلال العام، ولا كيف انتهت الثورة إلى ما انتهت إليه... إذ قد تكون الأهمية الآن للكيفية التي يروون بها قصة الحلم والثورة لأنفسهم وللآخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى