بفوز مرشح حزب الحرية والعدالة العنوان السياسي للإخوان المسلمين بانتخابات الرئاسة المصرية يكون هلال الاخوان قد اكتمل ظهوره من ليبيا وتونس وصولا إلى مصر..
وهذا الوضع يفتح مرحلة جديدة للحركات الإسلامية في الوطن العربي، مرحلة الخروج من الظلام إلى النور وتحديدا في البلدان الثلاثة التي بقيت الجماعة فيها محظورة لعقود ومعرضة للسجون والمطاردة والتنكيل، أدت وسائل الدفاع الارتكاسية إلى تنامي التطرف والعنف والإرهاب والفقه الظلامي المتخلف من بعض أطياف الحركات الإسلامية وعلى حواشيها وأطرافها.
لقد شكل إقصاء الحركات الإسلامية من المشاركة السياسية، وهي الحركات التي تمثل القوة الرئيسية في الشارع العربي، مشكلة حقيقية منذ بداية التسعينات تحديدا عقب الغاء العسكر لنتيجة الانتخابات النيابية التي فازت باغلبيتها جبهة الإنقاذ الإسلامية، وأدى ذلك إلى إغراق الجزائر في مستنقع الدم الذي لم تخرج منه الا بعد سنوات طوال ولم تتعافى منه حتى الان.
والاهم من ذلك ان هذا الافتئات على إرادة الشعب قد فوت على العرب جميعا الوصول إلى تحديدات واقعية لمستقبل الظاهرة السياسية الإسلاموية عشرين عاما؛ فلو ان جبهة الإنقاذ الجزائرية استلمت الحكم لكان لدينا تجربة واقعية؛ اما ان تتطور الحركة وتستجيب لتحديات الواقع وتحدث مراجعات أساسية لخطابها وبرنامجها وتثبت استحقاقها لثقة الشعب والاستجابة لاولوياته، وبالتالي تقدم نفسها كقوة مستقبلية تتحمل مسؤولية النهوض بالجزائر، أو انها تتقوقع وتكرر ارتكاساتها؛ وقد أدى إقصاء الجبهة الإسلامية في الجزائر إلى نتائج كارثية على الجميع.
عرف العالم تجربتين للحركات الإسلامية، احدهما في قاع الحركة وقد ارعبت العالم وشوهت الإسلام عبر حركة طالبان والقاعدة، وهما الارتكاس الإرهابي المرضي، وفي قمة التيار الإسلامي جاءت تجربة حزب العدالة والتنمية التركي. وما بين القمة والقاع هناك طيف واسع من الحركات الإسلامية اغلبها يتحرك كتنظيمات سياسية ويقع الرهان الاساسي على اجتذابها للمشاركة والتعبير عن مشروعها عبر العمل السياسي السلمي والديمقراطية والانتخابات، وبعض الجماعات انحرفت باتجاه العنف والتفجيرات وهي امتداد للقاعدة، وساعد في وجودها الدول المتعثرة والاحتلال الأمريكي للعراق والصراعات الداخلية والإقليمية التي تقاطعت معها ووجدت فيها ورقة جاهزة للاستخدام.
عودة إلى فوز مرسي برئاسة مصر يبدو ان المرحلة القادمة سوف تشهد تكرارا للشد والجذب بين المجلس العسكري والرئيس الجديد، فقد فرض المجلس نفسه كشريك سياسي عبر الاعلان الانقلابي الذي منحه صلاحيات استثنائية وعبر "جوكر" المحكمة الدستورية وهي الإساءة الكبرى للقضاء المصري الذي حوله العسكر إلى أداة لحل المجلس النيابي الوحيد المعبر عن إرادة المصريين طوال الستين عاما الماضية. غير ان هذه المراوحة لن تطول كثيرا كتجربة الاتراك التي بدات بمنح قيادة الجيش الصلاحيات الاساسية في دستور ٨١، كما ان حزب الحرية والعدالة الذي أتى من رحم حركة واجهت الحظر والمنع والسجون طوال ثمانين عام ولم تنتهي سيكون قادرا على إدارة الصراع مع المجلس العسكري في حال ذهب بعيدا في تحويل الاعلان الدستوري وحل مجلس الشعب إلى واقع يمنحه شرعية الاستمرار في الهيمنة على جميع السلطات.
واذا ما اقتصر انقلاب المجلس العسكري على فترة الثلاثة اشهر المقرر ان ينتج عنها صياغة الدستور الجديد وانتخاب مجلس نيابي، فربما تكون لمصلحة حزب العدالة والتنمية، لتحمي الحزب والحركة من الوقوع في إغواء السيطرة وأخونة الدولة، وهو احتمال ممكن في ظل رئيس جاء من خارج النخبة السائدة، وحزب لا يمتلك تجربة وخبرة في إدارة الدولة.
تجربة العنوان السياسي للإخوان، ممثلا بالحزب والرئيس المنتخب، ستكون محكاً حقيقيا وفاصلاً للتغيير في إدارة الدولة والمجتمع والتغيير في بنية الاخوان انفسهم ومنهجيتهم و أساليب تعاطيهم مع الشان العام، وقد كان الفصل بين حركة الاخوان المسلمين والعنوان السياسي المعبر عنها حزب الحرية والعدالة هو الخطوة الاولى في طريق تطور الحركة واستجابتها للتحديات الجديدة ..
فهذا الفصل بين الوعظي الديني والخيري والدعوي الذي تمثله الجماعة، والسياسي الذي يمثله الحزب وبرنامجه ورؤاه وتوجهاته وتحالفاته وهي كلها نشاط سياسي يقوم على نسبية الحقيقة وعدم احتكارها وعدم ادعاء تمثيل الإسلام واحتكار النطق باسمه كل هذه تقول لنا أو هكذا نفترض، بانتظار إثبات ذلك، تقول لنا ان نشاط الجماعة في الحقل السياسي يرتكز على المجتمع وقضاياه الواقعية وليس خارجا من كتب الفقه وعقلية فرز الناس إلى فسطاطين للكفر والإيمان.
أتذكر الشهيد جارالله عمر وجهده الدؤوب لمد الجسور مع الحركة الإسلامية عبر عنوانها حزب الاصلاح وكيف ان التاريخ لا يتغير الا بنظرة الصقر المحلق من علو شاهق كجارالله الذي تمكن من التحرر من اسر النظرة الأيديولوجية للإسلاميين ، النظرة التي لا زال كثير من كهنة الحداثة ومتطرفي الليبرالية المدعاة مقيمين في تابوتها القديم، أتذكر جملة قالها زرقاء اليمامة اليمني اواخر القرن الماضي محددا سبب اندفاعه باتجاه التحالف مع الاصلاح والحركة الإسلامية قائلا؛ نريد ان تكون الحياة السياسية والاحزاب وتحالفاتها، فعل واقعي يرتكز على المصالح المجتمعية لا على الأيديولوجيا.