آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الحوار المرتقب وآفاقه

يفترض أن تتشكل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في اليمن نهاية الشهر الحالي، بموجب قرار إنشاء لجنة التواصل، ولم يتبق سوى أقل من عشرة أيام، ولا يبدو في الأفق أن لجنة التواصل قد استكملت مهامها حتى في جزئية أخذ موافقة جميع الأطراف للمشاركة في الفعالية الوطنية..

فالطرف الأساسي المتمثل بالحراك الجنوبي لا زال في طور التحضير لرؤية وقيادة موحدة تضم جميع أطرافه ومكوناته المتعددة والمتباينة، وربما يكون على لجنة التواصل أن تنتظر بعض الوقت لاستكمال قوى الحراك إنجاز قيادة ورؤية موحدة للدخول في مؤتمر الحوار الوطني، ذلك أن الحراك هو الطرف الأساسي مثلما أن قضيته هي القضية الأساسية، التي تقع في قمة جدول أعمال مؤتمر الحوار الوطني..

وإذا كان ثمة من إنجاز قربنا من مؤتمر الحوارالوطني فليس سوى استعادة أبين وشبوة من يد أنصار القتل، وهو الإنجاز الوحيد الذي أعاد شيئاً من هيبة الدولة، وسد الثقب الأسود الذي لاح أمام اليمن كلها من خلال الأعلام السوداء التي رفعت في زنجبار وجعار وعزان طوال أكثر من عام.

ولم يكن هذا الاختراق ليتحقق لولا عاملين، الأول توحد الإرادة التي قادت وحدات الجيش بقيادة الشهيد والقائد الشجاع سالم قطن، والعامل الثاني توحد القوى الاجتماعية في المناطق المذكورة خلف الجيش وبمحاذاته وأحياناً بالتقدم أمامه، وهو احتشاد أنجزته إرادة القائد محمد علي أحمد ومعه وزير الدفاع محمد ناصر أحمد وقد انعكس هذا الاصطفاف في استعادة زمام المبادرة في عدن، وهو مادفع قوى الارهاب وأنصارها إلى الانتقام باغتيال القائد سالم قطن كفعل انتقامي يائس يؤكد هزيمتهم في أبين وشبوة وعودتهم إلى صيغتهم القديمة كخلايا سرية وعمليات انتحارية.

هذا الاصطفاف ضد الارهاب والانفلات في بعض مدن المحافظات الجنوبية هو التمهيد الحقيقي للحوار الوطني لأن القوى واللجان وقياداتها ستكون معنية بالحوار والوصول إلى إنجاز العقد الاجتماعي الجديد الذي يحدد شكل الدولة القادمة التي يجمع عليها كل اليمنيين بكافة فئاتهم وقواهم ومناطقهم وتوجهاتهم، فالقوى الجنوبية التي استفادت وانتظمت للحفاظ على أمن واستقرار المناطق ومواجهة أنصار الارهاب، ستكون النواة للمشاركة السياسية في مؤتمر الحوار والتعبير السياسي بشكل عام..

ولعلنا نتطلع جميعاً إلى الضالع وردفان لنرى التكوينات الحراكية التي كان لها الدور المشهود في إبراز القضية الجنوبية طوال السنوات الماضية، نتطلع الآن لرؤيتها تشارك في الحوار إلى جانب التكوينات الحراكية الأخرى برؤية موحدة تقرأ الواقع جيداً وتدرك ممكناته، وأن لا تدع هذه التكوينات نفسها في حالة انقياد أعمى وراء علي سالم البيض الذي أثبت دوماً افتقاده للرؤية الصائبة، فعندما تطلع الناس إليه للتريث كان خياره الاستعجال، وعندما تطلع الناس نحوه للصمود كان خياره الهرب، وعندما انتظروا منه الكلام التزم الصمت، وحينما استبشروا بخروجه من صمته ليوحدهم ويقودهم خرج هائجاً ليفرقهم ويشتتهم .

عودة إلى الحوار أقول إن تهيئة أجوائه أهم من هذه اللقاءات الفاشلة كذاك الذي عقدته لجنة التواصل مع الشباب وخلطت فيه بين شباب الثورة والبلاطجة الذين أطلقوا النار عليهم وقتلوا منهم المئات وسفكوا دماءهم في شوارع العاصمة وساحاتها .

وبما أن إنجاز العقد الاجتماعي الجديد سيكون أهم مخرجات الحوار، فالأجدى أن تشكل له لجنة تأسيسية من الآن لإنجازه بالتوازي مع تشكيل اللجنة التحضيرية، ولا ضير أن تتشكل لجنة إعداد الدستور الجديد من الآن وتضم الحراك الجنوبي كطرف أساسي إلى جانب كل مكونات المجتمع اليمني وأن تضم فقهاء القانون الدستوري في اليمن وتستعين بمن تشاء من الخبرات القانونية والدستورية في اليمن والدول العربية المشابهة لوضعنا.

وفي كلا اللجنتين التحضيرية للحوار والتأسيسية لإعداد الدستور سيكون معيار النجاح في قلة العدد واتساع التمثيل، وبإمكان مندوب واحد أن يمثل كل طرف من الأطراف الأساسية المشاركة في الحوار وإعداد الدستور،أما تحويل الحوار إلى سوق عكاظ فهو الوصفة الأقرب لإفشاله قبل أن يبدأ، ولنا في تجربة الحوار الذي أنجز وثيقة العهد والاتفاق تجربة تستحق أن نتعلم منها، من حيث قوام اللجنة وأدائها وكل ما يتعلق بإنجازها لمهمتها آنذاك.

زر الذهاب إلى الأعلى