أمس الأول جاءنا الخبر من الحديدة عن هروب خمسة سجناء من سجن الأمن السياسي هناك، ويقال إنهم من قيادات تنظيم القاعدة الإرهابي.. وقبلها بيومين هرب سبعة سجناء من سجن المنصورة بعدن ، وقبلها بشهر فرّ ثلاثة عشر من نفس السجن أغلبهم من عناصر القاعدة.
وفي نفس السياق يمكننا تعداد العمليات الإرهابية «السياسية»، بدءاً من العملية الارهابية في القصر الجمهوري بحضرموت يوم تنصيب الرئيس عبدربه مروراً بالمذبحة الارهابية البشعة لعشرات الجنود التي تزامنت حينها مع عملية التسليم والاستلام في قيادة المنطقة الجنوبية ، ووصولاً إلى التفجير المروع في ميدان السبعين قبل الاحتفال بالعيد الوطني للوحدة بيوم واحد ، وأخيراً عملية الاغتيال الغادرة للقائد الشجاع سالم قطن
في كل هذه المؤشرات الخطرة لم نسمع عن لجنة تحقيق ، وفي الحالات التي شكلت فيها لجان تحقيق لم ترفع هذه اللجان تقاريرها ، وإذا كانت قد فعلت ذلك ولم نعلم فينبغي على الرئيس أن يوجه بكشف نتائج هذه التحقيقات ليطلع عليها كل مواطن ، لأن هذه الجرائم وكشف أبعادها تهم كل اليمنيين مواطنين ومسؤولين .
كانت البلد تحكم بالإدارة الأمنية من قبل الرئيس السابق ومعاونيه في الدائرة العائلية الضيقة، واليوم وبعد مضي مايقرب من أربعة أشهر ما زالت خطوات الرئيس الجديد متباطئة في إحداث تغيير جوهري في الأجهزة الأمنية .
ومن دون إحداث هذا التغيير في بنية الأجهزة الأمنية وقياداتها العليا والوسطية وهيكلتها وأساليب عملها سيبقى جزء حيوي من آلية إدارة البلد مشلولاً وعاجزاً عن المساهمة في دعم سلطة الرئيس الجديد والمهام الأساسية للمرحلة الانتقالية.
ومع أن الرئيس عبد ربه قد قطع شوطاً لا بأس به، وأظهرت قراراته التي اتخذت في الأشهر الثلاثة الفائتة قدراً كبيراً من الاتزان وبدت مستوعبة إلى حد كبير معايير المصلحة الوطنية الجامعة ، إلا أن الرئيس يبقى بحاجة إلى إحداث ثورة في الأجهزة الأمنية تعيد انتظامها في سياق المهمة الوطنية الكبرى لإنجاز مهام المرحلة الانتقالية ، تغيير يخرجها من حالة الفشل والشلل التي نرى علاماتها على شكل عمليات إرهابية مروعة ، وعجز أمني عن تفادي وقوعها ، وكذلك عن كشف ملابساتها بعد وقوعها .
لقد أدى الجيش مهمته بنجاح ، وخاض المعركة المباشرة على الأرض ، وهزم أنصار الارهاب وطردهم من أبين وشبوة وأعاد المحافظتين إلى إطار سلطة الدولة ، وهذا الإنجاز نقل الكرة إلى مرمى الأجهزة الأمنية لأن طابع المواجهة مع الارهابيين غدت أمنية من ألفها إلى يائها، وإذا بقيت المؤسسة الأمنية في نفس الوضع فلن يكون مستغرباً أن يعاود أنصار الارهاب السيطرة على المدن من جديد ومواصلة عملياتهم الاجرامية التي غدت كابوساً مقلقاً ، وخطراً محدقاً ينتصب في وجه اليمن بتواتر مخيف كلما بدت اليمن في طريقها للتعافي والخروج من حالة الانفلات الأمني وشلل الأجهزة الأمني.
لقد صممت أجهزة المخابرات تحديداً من قبل النظام المتهاوي «القومي/ السياسي/ الاستخبارات العسكرية» لحماية النظام وأصحابه، ونحن اليوم في أمس الحاجة لإعادة صياغة وتصميم هذه الأجهزة لحماية المجتمع وأمنه واستقراره، واستمرارها بنفس التصميم القديم يمنعها ويحول بينها وبين أداء مهماتها الجديدة.
لقد اكتسب الرئيس عبد ربه منصور هادي ثقة الشعب بعد قراراته التغييرية الجريئة، وتنتظره اليوم قرارات أكبر ولعل أهمها؛ التغيير الشامل في بنية الأجهزة الأمنية، واختيار طاقمه وفريقه الرئاسي المعاون؛ طبعاً بالاضافة إلى استكمال التغيير في مؤسسة الجيش ، فليس من المعقول ولا من المفهوم أن تبقى آلية عمل الرئيس ومؤسسة الرئاسة عائمة وغامضة وبدون أي وضوح حتى الآن.