توجد علاقة طردية بين نجاح الثورة السلمية ونجاح السلطة الانتقالية في حل القضية الجنوبية.
فكلما مضى الوضع العام باتجاه تحقيق أهداف الثورة، وتبين أن السلطة الإنتقالية قد وضعت برنامج التغيير الذي جاءت به الثورة السلمية موضع التنفيذ، كلما خلق هذا الوضع جواً من الثقة لدى المكونات الحراكية والسياسية والشعبية في الجنوب بإتجاه الجلوس على طاولة الحوار والثقة بمخرجاته والتعاطي مع الحل في إطار وحدة اليمن وأمنه واستقراره، وهو الإطار المحدد للمبادرة الخليجية وآليتها والمدعوم دولياً.
ومن دون هذا التقدم في إدارة البلد بشكل عام ستظل القضية الجنوبية عرضة لباعة الوهم من كل الأصناف، فمن يرفعون الآن سقف ضجيجهم إلى أعلى مستوى لتشجيع الانفصال، والمقصود هنا ؛ التيار الحوثي وآليات البقايا إعلامياً، كمركزي قوى متحالفين، هؤلاء لا يؤمنون أصلاً بالقضية الجنوبية لا في سقفها الفك ارتباطي، ولا في جوهرها كشراكة سياسية صادرتها حرب 94 التي حولت الجنوب إلى أرض فيد جديدة للنظام ومراكز القوى المتحالفة معه.
ورفع الحوثي والبقايا قميص الجنوب الآن بالصيغة الضجيجية المفتعلة هو نوع من التكتيك يصب في إطار هدف إرباك مسار التوصل إلى حل عادل وجاد وواقعي للقضية الجنوبية في إطار مؤتمر الحوار الوطني.
ومن يصدق في الجنوب هؤلاء اللاعبين في صنعاء وصعدة، يخطئ كثيراً، ذلك أن الانفصال لن يكون اختيارياً وسلمياً بل سيدفع باليمن إلى بوابة الحرب الأهلية بكل معانيها وممكناتها، وهذا يقرره الواقع وتشابكاته، ولا تقرره النخب التي تقارب الوضع من زاوية الترف الذهني وكأنها تتسلى بلعبة ملء الفراغات على أريكة مريحة.
إذا أرادت السلطة الانتقالية أن تحدث فرقاً باتجاه الخروج من الضجيج العشوائي حول القضية الجنوبية، فعليها أولاً أن تسرع الخطى باتجاه تبني خارطة طريق تتضمن سلسلة من الخطوات الإجرائية التمهيدية لحل القضية الجنوبية.
ولعل النقاط الـ12 التي تقدم بها الحزب الاشتراكي اليمني، وأصبحت الآن مطروحة أمام السلطة الانتقالية باسم تحالف اللقاء المشترك هي الترجمة لخارطة الطريق المطلوبة كتمهيد للدخول في الحل الجذري للانقسام الوطني الذي أحدثته حرب 94 وما تلاها من ممارسات وإقصاءات.
ذلك أن السلطة الانتقالية معنية بمعالجة القضية الجنوبية حتى لو استمرت بعض المكونات الحراكية في رفض الجلوس إلى طاولة الحوار، ومن ضمن هذه المسؤوليات أن تتخذ الإجراءات التمهيدية التي تطمئن الأطراف المعنية كلها بما فيها المكونات السياسية في الجنوب، وهذه الإجراءات في متن مسؤوليتها كسلطة حاكمة لليمن الآن.
من يأتي إلى مؤتمر الحوار الوطني من مكونات الحراك الجنوبي يقر بالإطار الذي حددته المبادرة الخليجية وآليتها وقرار مجلس الأمن الدولي، وهو بوضوح ؛ أن تحل القضية الجنوبية في إطار حل عادل وبما يحفظ لليمن وحدته وأمنه واستقراره.
ومن يقل لهذه المكونات كلاماً غير هذا أو يتحدث عن سقف مفتوح، فيندرج ضمن باعة الوهم، فهذا هو الإطار المحدد وطنياً والمدعوم من قبل المجتمع الدولي، ومن يبحث عن إطار آخر، عليه أن يناضل سلمياً لتحقيق أهدافه دون عنف ودون تعبئة الشارع الجنوبي بالكراهية لإخوانهم الشماليين،ودون إلغاء لأصحاب القضية والوصاية عليهم وإرهابهم كما حدث يوم 21 فبراير الماضي من قبل بعض المكونات المسلحة.
وفي مواجهة شيطنة الوحدة الذي تقوم به أطراف متنوعة الأغراض والأهداف في عموم الساحة اليمنية أضم صوتي إلى جملة الأستاذ أحمد قاسم دماج التي اطلقها قبل سنوات في مقابلة صحفية : ضد الانفصال بدون قيد أو شرط وتحت أي ظرف وفي كل الأوقات، وفيما عدا ذلك نقبل بكل حوار لإعادة صياغة الدولة والعقد الاجتماعي في ظل الوطنية اليمنية واليمن التاريخي الكبير.
وهذه الجملة لا تقتضيها الوطنية اليمنية فقط ؛ بل الأهم أنها تتطابق مع المصلحة العامة لكل اليمنيين من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، فالانفصال لن يتحقق لمجرد كونه رد فعل ارتكاسي أو نزوة تعبر عن ضيق ويأس أو أمنية بإعادة إنتاج تسلط جديد في الجنوب، بل على العكس من ذلك سيفتح باباً للاحتراب لن يكون من السهل إغلاقه.
ولو كان دعاة الانفصال يحترمون الجنوبيين الذين ينطقون باسمهم لما اضطروا لاستخدام العنف في 21 فبراير الماضي لإرهاب الناخبين في عدن ومنع بعضهم من الوصول إلى صناديق الاقتراع بقوة السلاح.
لقد صممت الفترة الانتقالية خصيصاً لحل القضية الجنوبية عبر صياغة عقد اجتماعي جديد يستوعب طموحات وتطلعات جميع الأطراف المعنية في اليمن وتحديداً في الجنوب، فهل يقرأ اليمنيون بكافة أطيافهم هذه الفرصة، ويدخلون من باب الأمل الذي صنعته الثورة، أم يتخاذلون ويعودون إلى أرضية يأس جديد ؛ سيكون هذه المرة أشد قتامة من ذاك الذي اعتقدوا أنهم خلفوه وراءهم قبل 2011 ؟.