أرشيف الرأي

ماذا بعد قرار مجلس الامن 2051؟

مقدمة
نشرت مجلة الحروب الصغيرة Small Wars Journal التي تصدر في العاصمة الأمريكية واشنطن، الخميس 12 يوليو 2012 مقالاً مشتركاً للبروفسور روبرت شارب والسفير مروان نعمان، بعنوان "Beyond 2051 for Yemen"، استعرض التطورات السياسية الاخيرة في اليمن منذ صدور قرار مجلس الامن الدولي رقم 2051، بعد النجاحات التي حققها الرئيس عبدربه منصور هادي والقوات المسلحة اليمنية الخاضعة لقيادة اللجنة العسكرية التي يترأسها الرئيس هادي نفسه، والتي تقدم قيادتها وزير الدفاع وقائد المنطقة الجنوبية المغدور اللواء قطن، في القضاء على ما يوصف بأنصار الشريعة من المحافظات الجنوبية.

وتطرق المقال إلى تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد باغتيال اللواء قطن وعملية ميدان السبعين الذي أودى بحياة 100 جندي، والتي بلغت ذروتها البارحة الاربعاء 11 يوليو الجاري بالحادث الارهابي الذي حدث امام كلية الشرطة في صنعاء والذي أودى بحياة عدد من طلبة كلية الشرطة. كم استعرض المقال تطورات التسوية السياسية والصعوبات والعقبات التي تواجهها ومعاناة الشعب اليمني، ويقترح الكاتبان جملة من الخطوات التي يقتضي من مجلس الامن تبنيها من خلال اصدار قراراً جديداً قوياً يأمن المزيد من التأييد للرئيس عبدربه منصور هادي وحكومة الرئيس باسندوة، ويضغط في اتجاه تأمين نجاح الحوار الوطني المرتقب وتوفير الظروف العسكرية والأمنية لتقدم عملية التسوية السياسية في الوصول إلى انتخابات فبراير 2014.
إلى المقال:
اليمن: ماذا بعد قرار مجلس الامن رقم 2051؟
مقالة للبروفسور روبرت شارب* والسفير مروان نعمان*
وضع قرار مجلس الأمن رقم 2051 اليمن في قمة أجندة المجتمع الدولي عندما أقره في 12 مايو 2012، حيث أكد أن المجتمع الدولي يدعم المرحلة الانتقالية في اليمن. غير أن العالم شهد الكثير من الأحداث منذ ذلك التاريخ، فقد تفاقم تدهور الأوضاع في سوريا، وفشلت خطة عنان وتعبث روسيا بالأمور من خلال تزويد نظام الأسد بالطائرات الهيليوكوبتر. ولاتزال إيران تثبت أنها قادرة على خلق المشاكل في وقت تتجه فيه المحادثات نحو المجهول. هذا في حين تحشد الولايات التحدة قواتها في إشارة إلى استعدادها للمواجهة مع إيران، بمشاركة إسرائيل أو بدونها، وأن هذه القوات تتحضر للقيام برد عسكري. من هنا يمكن تفهم أن تضيع اليمن وسط الضجيج الذي يخلفه التوتر والنزاع العالميين.

وبالرغم من أن الكثيرين سمعوا بالأزمة الإنسانية المأساوية وأن 44٪ من اليمنيين – يشكلون حوالي 10 مليون نسمة – يتضورون جوعاً، غير أن قليلين قد علموا بأن الرئيس اليمن هادي موصد عليه في سكنه، وأنه غير قادر على التحرك دون وجود أمني كبير معه بسبب مخاوف حقيقية أن يطيح به النظام السابق. والكل كان يعرف سلفاً أن الأوضاع ستكون دائماً صعبة أمام الرئيس هادي، لأن التحديات التي يواجهها على درجة عالية من الخطورة، فهو يخوض قتالاً من أجل الإبقاء على الأمور تحت السيطرة في وقت يصارع فيه اشباح الماضي في اليمن. ويشارف الوضع الحالي على الخروج من تحت السيطرة إن لم يكن أيضاً وصفه بأنه بالغ الخطورة. والرئيس هادي بحاجة إلى تحريك دعم جديد من الامم المتحدة، إذ أن اقل ما يمكن ان يوصف به الوضع في اليمن انه يشكل سبباً لمخاوف حقيقية.

إن بعض وزارات الحكومة لاتزال تعمل بنفس قواعد الموالين للرئيس السابق صالح، متجاهلةً كل الصلاحيات الممنوحة لها بموجب الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن رقم 2051. ولم يتحقق أي تقدم في إقناع كل الفاعلين السياسيين للمشاركة في عملية الحوار الوطني، ولم يتم حل الخلاف بشأن مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية الذي يعارضه وزارء المؤتمر الشعبي العام في الحكومة. وأثبت التطورات أن الأمن يشكل تحدياً شخصياً للرئيس هادي، وقد تمكن من طرد أنصار الشريعة من أبين وشبوة في مجاولة استعادة سيطرة الحكومة على تلك المناطق ولتأمين البدء في عملية الحوار الوطني. غير أن الأوضاع الأمنية في صنعاء وتعز وعدن لاتزال تحت رحمة قوات الحرس الجمهوري التي لاتزال تحت قيادة ابن الرئيس السابق، بالإضافة إلى قوات الأمن المركزي وقوات مكافحة الإرهاب تحت سيطرة قائدها الفعلي ابن أخيه.

وتشكل كل من الهجوم الارهابي يوم 11 يوليو (الجاري) امام كلية الشرطة في صنعاء والذي أودى بحسب التقارير الاولية بحياة 22 من طلبة كلية الشرطة، وعملية اغتيال اللواء سالم علي قطن قائد المنطقة الجنوبية العسكرية في عدن في 8 يونيو، والهجمات الانتحارية في 21 مايو 2012، التي أودت بحياة 100 جندي في صنعاء، تشكل كلها ارتدادات كبيرة في الوضع العام. وقدم مؤخراً رئيسا الجهاز المركزي للأمن السياسي والجهاز المركزي للأمن القومي إلى الرئيس هادي تقاريراً بشأن عدد من الهجمات الإرهابية، بما فيها اغتيال مدرس أمريكي في تعز، غير أنه لم يتم الإفصاح عن أية تفاصيل بشأن ما تم اتخاذه بشأن مرتكبيها. ويعرب الكاتبان هنا عن قلقهما من ان الرئيس هادي قد يكون متخوفاً من القيام بأي اجراء بناء على ما تضمنته تلك التقارير من معلومات، بسبب (1) الخوف من تراجع تأييد الشعب اليمني له، و(2) الخوف من رد فعل الحرس القديم، و(3) انه لم يقتنع بعد بأن المجتمع الدولي يدعمه حقيقةً.

ويتزايد تفاقم الوضع السياسي سوءاً، حيث أصدر الحزب الاشتراكي اليمن بياناً انتقد فيه كل القرارات التي اتخذها كل من الرئيس هادي ورئيس الوزراء باسندوه، واصفاً إياها بأنها انتقائية وغير توافقية وتضر وتتعارض مع كل الاتفاقات والتفاهمات العامة بين كل أطراف العملية السياسية. وتقدم الحزب بمقترح من 12 نقطة لضمان استمرار مشاركات في العملية السياسية مستقبلاً. وقد وصل المبعوث الخاص للامم المتحدة السيد جمال بن عمر، لتأسيس وجود محدود لدعم تنفيذ العملية السياسية ولتقديم النصح للأطراف بالتعاون مع الحكومة اليمنية، وعلى وجه الخصوص في دعم عملية الحوار الوطني. غير ان الملفت للنظر ان لجنة التفسير المنصوص على تشكيلها خلال خمسة ايام بعد التوقيع عليها، لم تتشكل حتى الآن.

وفي الثالث من يوليو الجاري اصدرت مجموعة الأزمات الدولية تقريراً بعنوان "اليمن: الصراعات المستمرة والانتقال المهدد"، قالت فيه المجموعة ان "العملية السياسية تشوبها كثيرٌ من العيوب، لأنها كانت تسوية نخب استثنيت منها فئات كثيرة من المحتجين الأساسيين إلى جانب المهمشين. وفشلت في معالجة قضايا العدالة حقها الكامل وأبقت في السلطة قادةً واحزاباً مسئولين ولو جزئياً عن المحن التي تعاني منها البلاد. ولكنها، في اقل تقدير، توفر الفرصة لمستقبل مختلف. واذا ما اخفق الساسة في صنعاء في حل الاختلافات القائمة بين النخب، أو على الاقل احتوائها، والمضي في الحوار الشامل، فان البلاد معرضةً لأن تشهد المزيد من العنف والتقسيم. لقد تهرب اليمنيون طويلاً من اتخاذ القرارات المصيرية، وعليه عدم الهروب بعد الآن."

وعليه، فقد آن الأوان للامم المتحدة ان تشحذ هممها وان تصدر قراراً جديداً، بعد ان تبنى مجلس الامن بالإجماع قراره رقم 2051 الذي هدد فيه باتخاذ عقوبات ضد كل جماعة تعيق الانتقال السياسي في اليمن وضد اولئك الذين يقومون بهجمات تضر البلاد. ويجب على القرار الجديد، الذي نحن متأكدان ان الدكتور بن عمر سيوصي به، ان يذهب إلى ماهو ابعد من التهديد باتخاذ عقوبات وان يوجه باتخاذها. وبقيامه بذلك، ربما يجب عليه تسمية الرئيس السابق صالح وأقاربه المباشرين إلى جانب حكام جنوب اليمن السابقين. ويجب ان يستخدم القرار لغة أقوى يعيد بها تأكيد التزامه الراسخ بضمان الانتقال السلمي في اليمن في فبراير 2014. ونقترح انشاء لجنة خاصة معنية باستعراض اسماء أولئك الذين يعيقون الانتقال السلمي وعرضها على الامم المتحدة لاتخاذ عقوبات في حقهم. وقد تقرر الامم المتحدة الطلب من المفوضية السامية لحقوق الانسان ان تقدم تقريراً بانتهاكات حقوق الانسان والجرائم ضد الانسانية لاحالتها إلى محكمة الجنايات الدولية. وبدعم الامم المتحدة له سيشعر الرئيس هادي حينها بالثقة الكاملة لاستخدام صلاحياته الدستورية المنصوص عليها في المادة 14 الفقرة 6 من الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية المتعلقة بحقه في اصدار أية مراسيم يراها لازمة.

ان المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية تعلو على الدستور اليمني ولايمكن الطعن فيها امام أية هيئة في البلاد. ان اليمن بحاجة إلى ان يكون في اعلى قائمة أولويات المجتمع الدولي. ويجب على الامم المتحدة ان تنظر في اتخاذ قرار أقوى. كما ان على الرئيس هادي ايضاً ان يتخذ قراراته هو الآخر. غير انه سيشعر بالثقة لاتخاذ قراراته عندما يدرك ان الامم المتحدة زودته بالقوة التي تمكنه من حرية الحركة الضرورية لتحقيق التغيير المطلوب. وبدون ذلك لن يتمكن من التواصل مع الاخرين كجزء من عملية الحوار الوطني المخطط لها وسيظل في سكنه وحيداً عاجزاً تحيط به وحدات من الحراسة الأمنية.

الكاتبان
* البروفسور روبرت شارب يعمل بروفسور مساعد في معهد الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني. والآراء المطروحة في هذه المقالة هي آراء كاتبيها لوحدهما، ولا تمثل السياسة الرسمية أو الموقف الرسمي لجامعة الدفاع الوطني أو وزارة الدفاع أو حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.

* السفير مروان نعمان شغل منصب سفير اليمن لدى اليابان من نوفمبر 2007 حتى مارس 2011 عندما استقال احتجاجاً على مقتل 58 متظاهراً سلمياً وجرح ما يزيد عن 800 مواطن على يد قوات الجيش والأمن اليمني. وشغل منصب سفير اليمن في الصين من اكتوبر 2004 إلى ان نقل إلى اليابان. كما كان سفيراً لليمن لدى اثيوبيا من سبتمبر 1979 حتى يونيو 2002. وقد التحق بالعمل بوزارة الخارجية اليمنية في سبتمبر 1973، بعد حصوله على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة. وهو الآن متقاعد ويعمل حالياً كمستشار قانوني وسياسي متفرغ.

زر الذهاب إلى الأعلى