على مدى خمسين عاماً من عمر الثورة السبتمبرية المباركة التي أسهم فيها أبناء ريمة بكل ما يملكون وحصدت الثورة أرواح الالاف من خيرة رجالها، استمر العطاء الوطني لأبنائها حتى كانت من المحافظات السباقة والأكثر عطاءاً في ثورة فبراير المجيدة مشاركة وتضحية ونضالاً وصموداً.
بيد أن التاريخ لم يكن منصفاً ومازلنا نترقب أن تكشف الأيام سبباً لذلك، فلا كتب التاريخ أبرزت أدوار هذه المحافظة ولا الحكومات المتعاقبة لفتت أنظارها إلى أهلها.
وتعد محافظة ريمة هي الوحيدة على مستوى الوطن التي لا تزال تحتفظ بصورة حية للحالة التي كان عليها الوطن في عهد الإمامة قبل ثورة 26سبتمبر 1962م في أسوأ صورها.
وعلى الرغم من أن ريمة هي المحافظة الأكثر مدنية بطبيعتها وسلمية أهلها، ويجنح سكانها إلى العدالة والإستقرار واللجوء إلى القضاء واحترام القانون، كما يعتمد أفرادها على أنفسهم لتنمية مشاريعهم سيما الصغيرة والمتوسطة منها، إلا أنها لا تزال تعاني من ذات الإهمال الذي عاشته ردحاً من الزمن، إذ تكاد أن تكون المحافظة الوحيدة التي تُقصى من كل التعيينات الرئاسية والوزارية والإستحقاقات الإقتصادية في ظل استمرار المحاصصات المناطقية التي يشهدها الوطن والتي تخل بما قدمه الشهداء من ثمنٍ للقضاء على هذه الممارسات التي كانت على رأس أسباب الهشاشة الإدارية للنظام السابق.
صحيح أن الدعوات المناطقية من الأمور الممقوتة والمرفوضة، بيد أننا ربما لم نصل بعد إلى بوابة العدالة الإجتماعية والمواطنة المتساوية كما أثبتته لنا العملية الإرهابية التي ارتكبها بعض أفراد أحد أقسام الشرطة بأمانة العاصمة في حق المجني عليه محمد صالح الخضمي الذين داس عليه "حماة الوطن" بالأقدام حتى الموت، ولست أدري أي عدالة إجتماعية يحلم بها رئيس الوزراء الأستاذ محمد سالم باسندوة والوزراء المنضمين للثورة وأولهم وزير الداخلية، والمشائخ والأعيان والقادة العسكريين وشباب الثورة إن لم تكن هذه القضية الأليمة على أولوية سلم مطالبهم بتحقيق العدالة وإثارة الإحتجاجات التي تبرهن أننا فعلاً نبحث عن دولة مدنية بمقاس 21 محافظة، لا بأهواء ومصالح ثلة معينة أياَ كانت.
حينما حدثني محامي القضية، عن بشاعة ما ارتكب ضد هذا المواطن "اليمني" استحضرت ما كنت قرأته عن أسباب نمو الإرهاب ودوافع فرار الشباب إلى الموت عبر هذه الجماعات، والتي يعتبر الإضطهاد والقمع والتهميش من الأدوات الرئيسية لاستفحاله في المجتمع.
ومن المهم أن نؤكد بأنه وبالقدر الذي نحتاج إلى تطهير المدن والمناطق من مخاطر العناصر الإرهابية، فإننا نحتاج أيضاً إلى إيقاف الممارسات الخاطئة والإرهاب المغلف الذي يمارس بقوة الدولة وعلى مرأى ومسمع من الجميع.
ولست أدري ما إن كان موضوع الخضمي سيحرك آلام السيد رئيس الوزراء، وسيبادر بالسؤال عن حيثيات القضية وما الذي تم التوصل إليه، على أقل تقدير إن لم يكن من باب العدل فمن باب مدارة أسرة المجني عليه الذين دمعت أعينهم دماً وتفطرت قلوبهم وأفئدتهم، وتشظت أحلامهم وطموحاتهم بالدولة المدنية والمواطنة المتساوية والعدالة الإجتماعية المنتظرة.
ولن أسهب كثيراً في قصة المجني عليه الخضمي، لكنني سأنتقل إلى موضوع آخر أشد مرارة، فأثناء البحث عن وزراء ريمة الذين تم تعيينهم خلال خمسين عاماَ استوقفتنا إحصائية مهولة مفادها (( وزيران على مدى خمسين عاماً)) وهذه الحصيلة هي التي تمكنا من الحصول عليها بحسب المراجع والوثائق الرسمية المنشورة، حيث تم تعيين المناضل العقيد يحيى مصلح في 3 مارس 1974م، وزيراً للتموين في الحكومة الـ22 التي ترأسها الدكتور حسن محمد مكي بموجب القرار الجمهوري رقم (7) وهي آخر حكومة شكلت في عهد الرئيس الراحل عبد الرحمن الإرياني واستمرت حتى تاريخ 20 يونيو1974م أي على مدى ثلاثة أشهر تقريباً، وتولى المناضل يحيى مصلح بعد ذلك عدد من المناصب لكنها دون الحقائب الوزارية.
كما تم تعيين الدكتور عبد الملك منصور وزيراً للثقافة والسياحة في حكومة الأستاذ فرج بن غانم في 15سبتمبر1997م، والتي استمرت حتى 15مايو1998م، حيث قدم رئيس الحكومة استقالته وشكل الدكتور عبدالكريم الإرياني الحكومة الجديدة بموجب قرار جمهوري رقم 72 بتاريخ 16 مايو 1998م وفيها أعيد تعيين الدكتور عبد الملك منصور وزيراً للثقافة والسياحة حتى تاريخ 3 أبريل2001م.
هذا هو قوام وزراء ريمة بين ثورتي سبتمبر وفبراير، والتي يلهج أبناءها بنشيد "الريمي" الراحل المبدع إبراهيم طاهر الذي يدوي في كل أرجاء الوطن " أنا يمني".
كنت كتبت موضوعاً قبل12عاماً في إحدى الصحف عن مطالبة أبناء ريمة بالإنضمام إلى مجلس التعاون اليمني، وبعد هذه السنوات التي تخللها إعلان محافظة ريمة 2004م وهي خطوة تحسب للرئيس السابق وقبله للمطالبين بهذا الإستحقاق، إلا أننا بعد هذه المدة الزمنية لا نزال في حاجة ماسة وملحة لطرح ذات الشعار بين يدي حكومة الوفاق، والتي ندعوها إلى النظر في معاناة أبناء هذه المنطقة التي تغلي حرارة مبادئ الوطنية والإخلاص لبلدهم في أجسادهم كما يغلي المرجل، رغم مرارة الإقصاء والتهميش والحرمان.