آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

اليمن وتحديات المرحلة الانتقالية

لقد عانى المواطن اليمني كثيرا من ظروف وأحداث لسنوات وعانت اليمن حروبا وصراعات قبلية وحزبية وللأسف فإن اليمن لم يحظ بأي استقرار أو قيادات مسؤولة، لأن التأثير القبلي والحزبي والطائفي يلعب دورا كبيرا في ثقافة قرون..

وللأسف إن موجة ما يسمى بالربيع العربي في اليمن قد رسمت أحلاما كبيرة لدى الشباب اليمني الذي يرى جيرانه قد وصلوا إلى مرحلة تنموية كبيرة ويرى العالم وقد شق طريقه نحو مستقبل أفضل ولكن الذين تولوا زمام قيادة هذه الثورة كانت لهم أجندات لا تتفق مع تطلعات الجماهير وهم للأسف جزء من منظومة الحكم خلال الفترات الماضية ولبسوا ثيابا جديدة وحملوا لافتات أخرى دون تغيير المضمون، فلم نجد المشروع الحضاري لليمن للانتقال بها إلى المرحلة الصحيحة والخطوة نحو الأفضل، بل إن الصورة غير واضحة عند من تولوا قيادة الحركة، فقد تعاملوا مع أخطر الملفات بطريقة غير مقبولة ولا واقعية، إذ إنهم استخدموا ورقة النظام السابق فقط وربطوها به بشكل كامل، ولم يضعوا أمامهم خط رجعة أو اعترافا بالمشكلة وبسطوا الأمور وأعلنوا أن مشكلة الجنوب والإرهاب والحوثيين هي مشكلة النظام وعند ذهابه ستحل المشاكل وسيعم الأمن والأمان إذا وصلوا إلى الحكم وفوجئ الناس بالواقع المرير أن الوضع أعمق من ذلك وأن هناك تراكمات كثيرة، وهناك فئتان في البلاد ورغم اختلافهما فإن الفئة الأولى وهي الأجندة الطائفية والمذهبية والانفصالية والإرهابية المرتبطة بأجندة خارجية تستعمل اليمن جسرا للوصول لأطماع كبيرة وبالأخص الجانب الإيراني، وقد سبق أن حذرنا سنوات من هذا الخطر الكبير إلا أننا وجدنا آذاناً صماء واستهتارا وعدم دراسة واقعية لجذور المشكلة وخطورة الأطماع والمؤامرات التي هي أكبر من نظام علي عبدالله صالح الذي استفاد للوصول إلى مكاسب معينة وهذا هو الإطار ولكن البرنامج كان أكبر، لقد عانينا الكثير من هذا القرار في اليمن ومن العديد من المشايخ والقيادات التي ترفع الراية الإسلامية والوطنية في هذا الخطر ولم يضعوا له حسابا أو تأخذه بجدية مما يدل على بساطة الفهم السياسي والتفكير بمنطلق المصلحة العليا.

وما إن قامت المظاهرات وسقط النظام السابق جزئياً بعد خسائر كبيرة إلا أن النظام الجديد لم يكن بتلك الطموحات التي عول عليها الناس فقد تبين أن التحالف المشترك كان هشاً وأنهم وقعوا في فخ هذه الفئات التي استخدمتهم جسراً وبعد تحقيق مآربها إذا بها تعود إلى نفس الأجندة، فحزب الحق وحزب التوحيد واتحاد القوى الشعبية يستحيل أن تتفق مع الإصلاح أو غيره ولكنها لعبت دورها بذكاء واستغلت جهل وعدم إدراك الأبعاد الفكرية والسياسية والعقائدية وارتباطهم الخارجي بأن تحقق مكاسب وتوجد صراعا للوصول إلى الدولة التي يطمحون إليها منذ خمسين عاما والتي أحيتها لهم ثورة إيران وأعادت لهم فيها آمال الدولة الصفوية باليمن، هذا الأمر هو مجهول لدى الشباب الذين لم يحصنهم أحد أو يثقفهم، وبعد الثورة تبين أن هؤلاء مع الحوثيين ومن ورائهم غير أنه لا صديق ولا حليف لهم وليسوا في أجندة دولة وطنية أو وفاق أو غيره، وإنما دولة مذهبية تقوم على أساس طائفي عنصري يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان ومساواة المواطنة ويعود إلى قرون، وكأن الحرب اليوم ليست بين الدول الكبرى والمبادئ الحديثة وإنما الصراع العالمي اليوم هو يزيد والحسين اللذين ماتا من ألف وأربعمائة سنة وأكثر.

وإن هناك فئة تريد أن تحكم باسم الدين دولة تيوقراطية ثار عليها الشعب في عام 62 ودفع فيها دماء كثيرة.

والفئة الأخرى، وهي فئة الانفصال الذين انتهى دورهم بسقوط الاتحاد السوفييتي وكانوا دعاة أممية وغيره، واليوم الوصول إلى الكرسي يبحثون عن دعوة ضيقة في عالم المجموعات ويرغبون في الوصول ولو ذهبت المبادئ والتاريخ ومستقبل الأمة وقد دعمتهم الفئة الإيرانية للوصول إلى غرضها وستتخلى عنهم عند موتها، وكذلك الجماعات الإرهابية التي تستغلها إيران وعناصرها، وللأسف إن الحكومة اليمنية والأحزاب اعترفوا أخيراً بهذا الخطر إنه أجندة خارجية مؤخراً دون أن يبذلوا خطوات عملية.

الوضع في اليمن خطير جداً والذين يراهنون على المناصب والمسميات والمكاسب ويعيشون في أفق الحزبية الضيقة بعد فشل التحالف المشترك وهشاشة أهدافه وتركيبته، فقد آن الأوان للعقلاء من المعارضة والشباب الذين يحكمون اليمن اليوم أن يفيقوا من سباتهم ويخرجوا من الدائرة التي وضعوا أنفسهم فيها وهي الإعلام والقنوات وحب الظهور وجوائز السلام والتنازلات التي قدمت لأجلها ولو على حساب الدين والمبادئ والجري وراء الغرب والوقوع في فخ وراء فخ والعيش في أبراج عالية وتجاهل العقلاء والمخلصين.

الوضع في اليمن يقتضي إشراك الجميع والتحالف الوطني المخلص وطرح الملفات على الطاولة والتعاون مع الأشقاء ضروري جداً فلا تستطيع اليمن أن تواجه المخاطر وحدها دون شراكة الأشقاء، الخطر الإيراني أعمق وأكبر، لذا إذا أراد من يحكمون اليمن اليوم الوصول إلى مشروع حضاري أن يمدوا يدهم للأشقاء العرب وللعناصر الوطنية مهما كان الاختلاف في أشياء فالوطن أكبر وأن يضع هؤلاء أمامهم هدفا واحدا لا سبيل ليمن الأمل والمستقبل إلا بانتهاء الدور الخارجي المتمثل في صعدة وأبين والمناطق الجنوبية الحوثيين والحراك والإرهاب ملفات يجب إغلاقها وعدم التهاون في الأمن وسيادة الدولة وبسطها النفوذ على كل أراضيها مهما كان الثمن، فلنتذكر قول أبو بكر: "والله لو منعوني عقال بعير" ولا تستطيع اليمن عمل ذلك وحدها دون اصطفاف وطني وعمل مشترك مع دول مجلس التعاون أشقاء اليمن وشركائها.

زر الذهاب إلى الأعلى