"يابه سعيد يابه يا ساكن الدنوه
أسلمتنا المحنه والعسكري الزوبه"
في العام 1848 كانت إب تحت رحمة القبائل في فترة الفوضى، وتحولت حياة الرعية إلى هوان، كان جدي الفقيه سعيد بن صالح ياسين عالما ومتصوفا، فجمع المظلومين، وسلحهم بالعصي والحجارة، وقادهم لمعركة كرامة انتهت بإعلانه إماما لليمن الأسفل، حشد إمام صنعاء جيشا من القبائل، والتقى بجيش اليمن الأسفل بيريم، وبقي إمام صنعاء محاصرا في يريم شهرين، إلى أن استمال أحد قادة الفقيه سعيد، واغتالوا قيادات الجيش، وهزموهم في معركة سمارة التالية، انتهاء بحصار الدنوة، حيث يقيم الثائر، وحيث خاصة تلاميذه الشراعبة، أعدموه وكان عمره 81 عاما، تجد القليل عنه في تاريخ العمري "مائة عام من تاريخ اليمن"، وفي كتاب حياة عالم وأمير والإنسان والحضارة، وعشرات الكتب والمراجع.
يقول أحد المؤرخين البريطانيين إن الفقيه سعيد كان التهديد الأخطر على الوجود البريطاني بعدن، ويقول محمد ناجي أحمد ضمن منهجه العدواني، إن الفقيه سعيد كان على علاقة مريبة بالأتراك، هكذا محمد ناجي يقطع بالدرجة التي تناسبه من شرف رجل كل ما فعله هو الثورة لأجل المغلوبين، لا مناطقية ولا ضغائن، واللعنة على من يرهن وجوده للعب بانفعالات اليمنيين وتاريخ ضغائنهم المناطقية، ولست الذي يحاول هنا لفت انتباه الناس لكونه ينحدر من سلالة أحد ملوك اليمن، هو لم يكن ملكا، وأنا لا أنتمي إليه بنصيب يساوي انتماء كل المنحازين لتاريخ الرجال العظام الذين دافعوا عن المغلوبين.
سعيد بن صالح ياسين بهذا المعنى كان بطلا لا يضاهيه إلا من نمجدهم اليوم أثناء عروض المآثر في الكتب والأفلام، ويمكنك المرور بشخصية سعيد بن صالح ياسين وأنت تشاهد فيلم القلب الشجاع، لترى وليام والاس يقود الاسكتلنديين لمعركة كرامة، ليس باعتبارهم اسكتلنديين يريدون ملكا اسكتلنديا، بقدر ما هم يحاربون وراء رجل كان جاهزا للإفصاح عن روح اسكتلندا المقهورة. لا أبالغ إن قلت إن سعيد بن صالح ياسين كان أعظم من وليام والاس، غير أن والاس حظي بضوء كاشف قدمه للعالم، بينما بقي بن ياسين ضحية التدوين التاريخي المشوه.
عازف الناي يقطع قلبي ويأخذني للدنوة، قفا القرية وينووووووح، وأنا اسيان، وتفلت مني بحة عازف الناي، ولا أدري هل أتخاطر مع شجا ليل الدنوة، أم أذهب إلى تلك الحافة بين ياني وعازفي فرقته.
وجهه عريض رحوم، شباب محزون، وشعره ملتف ومدهون.
ينفخ وروحه تجيش وأنا أسمعه من قفا المسجد بالدنوة، والمجران يصغي للكلاب، وأهل القرية راقدين ومنارة جدي الفقيه سعيد تئن بدهاليز روحه ودمه المسفوك بباب المسجد.
جدي كان صوفيا، وكان قد جمع المغلوبين هنا، وقاتلوا ببسالة حزينة، وهم مذبوحون الآن، وياني يشير لنافخ الأسى واللحظة قاتمة وشيء ما يهسهس مثل أرواح الشراعبة الذين حوطوا جدي في اللحظات الأخيرة، ونزفوا بين يديه، وماتوا لا كما يموت محاربو الساموراي، ولكن كما يموت الشراعبة.
يفلت مني وجه العازف ولم أكتفِ بعد، ولا يزال هناك ما أود القيام به من إيجاد نغمة أخيرة لملامح غرباء وفتيان ومتفاجئين، وحافة ثوب جدي الأبيض، والذين ذبحوا دون أن يكترث تاريخ بداية الألفية بإشارة تحدث الآن لبطولة أليمة غضة انفعلت في ليل الدنوة، وعازف الناي هذا هو وحده من يرى سيقان الأبطال الطيبين، ويمر بمويجاته على ليلهم البهيم.