مقدمة
نشر الدبلوماسيٍ والمحلل السياسي السفير مروان نعمان بالاشتراك مع البروفسور روبرت شارب البروفسور مساعد في معهد الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني ورقة جديدة في مجلة الحروب الصغيرة "Small Wars Journal" بعنوان "خطة اليمن": الهدوء والمضي قدماً"..استعرض فيها الكاتبان الأوضاع التي تمر بها اليمن جراء الأوضاع الاقتصادية والأمنية المقلقة،
واقترحا على الرئيس عبد ربه منصور هادي تطبيق خطة على غرار "خطة كولومبيا" التي كرست لمكافحة المخدرات في كولومبيا، لاستخدامها في مكافحة الإرهاب وتحقيق اهداف الاهداف التنموية والإنسانية والإدارية العاجلة لتحسين الخدمات التي يحتاجها المواطن اليمني بشكل عاجل على ارض الواقع، لتكثيف خلق وظائف لأعداد العاطلين الكبيرة من جهة واستخدام القوات المسلحة اليمنية في تقديم الخدمات الانسانية العاجلة للمحتاجين لها في كافة أنحاء الجمهورية لتحسين صورته التي هزها وأساء اليها من خلال توظيفه السيئ في الصراع السياسي الذي شهدته اليمن.
وشدد الكاتبان على "إن اليمن على مفترق طرق،" بسبب تهديدات بقايا النظام السابق والقاعدة للتحول نحو اليمن الجديد الديمقراطي، التي لن يتصدى لها "سوى صمود وثبات الشعب اليمني، وصبره الخارق للعادة." وهما يريان ان بإمكان "خطة اليمن" الجمع بين التمويلات الدولية السخية وبين أهداف الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة وتشارك فيها اليمن، "وفي نفس الوقت توظيف اليمنيين العاطلين عن العمل في إيصال الدعم الاقتصادي والإنساني المطلوب بإلحاح. الورقة تقدماً مقترحاً لاستخدام التمويلات التي ستقدم للفترة الانتقالية حتى 2014 في تحقيق إنجازات فعلية على ارض الواقع من خلال حشد الطاقة البشرية العاطلة في إنجاز التغيير الحقيقي.
خطة اليمن.. الهدوء والمضي قدماً
بقلم روبرت شارب ومروان نعمان
البعضُ قلقٌ من العنف في اليمن، والبعض الآخر قلقٌ على أوضاعه الاقتصادية. وتبرز الهجمات الاخيرة على وزارة الداخلية ووزارة الدفاع والتي يزعم ان أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح هم قاموا بها، مضافا اليها محاولات الاغتيال التي لم تثبت حتى الآن، تبرز في مجملها انقسام القوات المسلحة ومقاومة أنصار النظام القديم للتغيير.
هذه الهجمات وعمليات القبض على من يرتكبها يجب ان تفسر في سياق ما أشار اليه المحلل السياسي عبدالغني الارياني والذي قال:"في العُرف القبلي اليمني، فإن حرب اطلاق النار هي نوع من التفاوض." ان صنعاء هي اسرع عاصمة في العالم من حيث سرعة النمو، غير ان ماتمتلكه من النفط في طريقه إلى النفاد. بالاضافة إلى ذلك ، تشير التقديرات ان اليمن سيسنفد الموارد المائية الاقتصادية المتاحة في العام 2017.
وسيضاعف تزايد الشباب من سكان البلاد خلال خمسين عاماً القادمة، في بلدٍ يعيش 50٪ من سكانه على اقل من دولارين في اليوم، و 50٪ عاطلين عن العمل، و70٪ من السكان دون 35 سنة من العمر، وذكر تقرير أخير لمنظمة أوكسفام ان 44٪ من السكان يعانون من المجاعة، وان مشكلة اليمن ليس مشكلة اليمن أمنية وانما اقتصادية من منطلق نسب البطالة والمجاعة.
وهناك الكثير من الوعود بالدعم الاقتصادي والتعهدات التي اعلنت سخية. على سبيل المثال، في لقاء اصدقاء اليمن الذي عقد في الرياض في 23 مايو 2012 تعهدت المملكة العربية السعودية بتقديم 3,25 بليون دولار، وتبعها ان تعهدت الملكة المتحدة بتقديم 300 مليون دولار، وقدمت الكويت 30 مليون دولار، وصندوق النقد الدولي 100 مليون دولار كما قدم صندوق النقد العربي 100 مليون دولار اخرى. وقدمت دولة الامارات المتحدة بالفعل ما قمته 500 مليون درهم مساعدات غذائية عينية. وبلغت مساعدات الولايات المتحدة الأمريكية لهذا العام اكبر مساعدة في تاريخ علاقاتهما مبلغ 337 مليون دولار. وفي 4 سبتمبر 2012، التقى أصدقاء اليمن مرة أخرى في الرياض ووصلت التعهدات إلى 6.4 بليون دولار.
وتعتبر هذه النتيجة بمثابة رسالة قوية أخرى لتأكيد وقوف المجتمع الدولي إلى جانب اليمن. ومن المتوقع صدور تعهدات أخرى في 27 سبتمبر 2012 عندما يتحدث الرئيس هادي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلى الاجتماع المشترك لأصدقاء اليمن والمجموعة الاستشارية للمانحين. إن التعهدات سخيةٌ غير أن ما تم دفعه يصل إلى 50%.
لقد خُصصَّ الدعم الأمريكي للدور الرائد في محاربة القاعدة في الجزيرة العربية. وحملة مكافحة الإرهاب في اليمن حملة ناجحة بالرغم من القلق الذي أثير حول استخدام الطائرات بدون طيار. إن اليمن ليست فاشلة ولا الرئيس عبد ربه منصور هادي قد اخفق. وصدقوا أو لا تصدقوا، ان اليمن الجديد تحت قيادة الرئيس هادي تتقدم نسبياً بثبات. ويجب ان نهنئ الرئيس هادي على ما قد حققه وفريقه حتى الآن. ولعل الوقت قد حان ان تتجه اليمن خطوة إلى اخرى إلى الامام لتقديم مايحتاجه الشعب وان تبدأ الحكومة بتحقيق إنجازات اقتصادية محسوسة والوفاء بالاحتياجات الانسانية. إن النظر إلى مشاكل اليمن و إلى الحلول التي تحتاجها، فإن هناك الكثير مما يمكن القيام به لليمن. لعل الوقت مناسب التفكير بنموذج "خطة كولومبيا" وإمكانية تطبيقها على اليمن.
اننا ننصح الرئيس هادي دراسة "خطة كولومبيا" وإمكانية تطبيقها على اليمن. ان الشعب اليمني يحتاج لوظائف ومساعدة إنسانية بشكل عاجل. والرئيس هادي يعي ان الشباب يقدمون لقمة سائغة لتطرف القاعدة في الجزيرة العربية بسبب المظالم التاريخية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ونجاح نموذج "خطة كولومبيا" في حرب مجابهة المخدرات يمكن استخدامها في اليمن في مكافحة الإرهاب من خلال التنمية الاقتصادية والإنسانية. وباستطاعة الرئيس هادي تفويض "فريق عمل رئاسي"، واستغلال الموارد الممنوحة من المملكة العربية السعودية والدول الاخرى من الدعم والتنسيق عبر بعثة مجلس التعاون الخليجي في صنعاء أو من خلال السكرتارية الخاصة التي انشأها مجلس التعاون الخليجي لهذا الغرض.
وكما جرى في "خطة كولومبيا"، ستقوم "خطة اليمن" بتدريب وتجهيز قوات مكافحة الإرهاب بما في ذلك تزويدها بالطائرات الهيلوكوبتر والمعلومات الاستخبارية. غير ان "خطة اليمن" ستعتمد بشكل كامل على القوة البشرية اليمنية، وبالتالي توفير وظائف وإيجاد أعمال مفيدة للأعداد الهائلة من العاطلين. ومن خلالها سيتحقق التنسيق الوثيق مع دول مجلس التعاون الخليجي التي من صميم مصلحتها ان ترى يمناً ديمقراطياً ومستقراً يخرج من هذه المرحلة الانتقالية. ان العمل من محافظة إلى محافظة من خلال برامج تركز على مجالي الأمن والادارة، وتشمل في نفس الوقت تقديم المساعدات الانسانية والاقتصادية الحيوية والعاجلة، ستتمكن اليمن من إعادة تمكين المحافظات واحدة بعد الأخرى من تقديم مشاريع تؤتي بنتائج لمكافحة الإرهاب يكون المواطنين محورها.
و"خطة اليمن" هذه سوف لن تستخدم ماتعهد به المانحون ورأسمال المال البشري المتوفر فحسب، وإنما ستدعم أهداف الولايات المتحدة من مكافحة الإرهاب وتمكّن الجيش اليمني الذي أساء إلى سمعته بشكل كبير من أعادة بناء عقده الاجتماعي مع الشعب. إن قيام الجنود اليمنيون وموظفو الحكومة الجديدة المدنيون بتحسين إمدادات خدمات الكهرباء والإنارة بالتزامن مع تقديم خدمات الصرف الصحي المياه والغذاء لأبنائهم وإخوانهم ممن يعانون من سوء التغذية، هي الصورة التي ستبدو بها "خطة اليمن" على أرض الواقع.
إن اليمن على مفترق طرق. فلاتزال عناصر النظام السابق والقاعدة تهدد ديمقراطية اليمن الجديدة. ولن يمنع الانهيار الكامل سوى صمود وثبات الشعب اليمني، وصبره الخارق للعادة. وبإمكان "خطة اليمن" الجمع بين التمويلات الدولية السخية وبين أهداف الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، وفي نفس الوقت توظيف اليمنيين العاطلين عن العمل في إيصال الدعم الاقتصادي والإنساني المطلوب وبشدة. إن اليمن الآن بحاجة لإنجاز أفعال على أرض الواقع. و"خطة اليمن" ستحشد الشعب وستحقق إنجاز التغيير الحقيقي.
الكاتبان
* البروفسور روبرت شارب يعمل بروفسور مساعد في معهد الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني. والآراء المطروحة في هذه المقالة هي آراء كاتبيها لوحدهما، ولا تمثل السياسة الرسمية أو الموقف الرسمي لجامعة الدفاع الوطني أو وزارة الدفاع أو حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.
* السفير مروان نعمان شغل منصب سفير اليمن لدى اليابان من نوفمبر 2007 حتى مارس 2011 عندما استقال احتجاجاً على مقتل 58 متظاهراً سلمياً وجرح ما يزيد عن 800 مواطن على يد قوات الجيش والأمن اليمني. وشغل منصب سفير اليمن في الصين من اكتوبر 2004 إلى ان نقل إلى اليابان. كما كان سفيراً لليمن لدى اثيوبيا من سبتمبر 1979 حتى يونيو 2002. وقد التحق بالعمل بوزارة الخارجية اليمنية في سبتمبر 1973، بعد حصوله على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة. وهو الآن متقاعد ويعمل حالياً كمستشار متفرغ.