أرشيف الرأي

القُضاة الحضارمة التسعة ببلاد مصر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فمن المعلوم المحقق في كتب التاريخ مشاركة الحضارمة مشاركة فاعلة في الفتوحات الإسلامية وتوزعهم بعد ذلك على الأمصار المفتوحة كمصر والشام وبلاد المغرب وغيرها، وبعد فراغهم من مهمة الفتح لتلك الأمصار استوطنوا تلك الأمصار المفتوحة وصاروا بمرور الزمان وتقادم السنوات من الشخصيات الفاعلة والمساهمة بالشيء الكبير والكثير في تلك الأقطار سواء على الأصعدة العلمية أو الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ، وبمرور الزمن تكاثر الحضارمة في هذه البلاد المفتوحة وتبوءوا مختلف مراتب الحكم والسياسة والتعليم والتصدر الإيجابي الفاعل في تلكم الأقطار المختلفة، وبما أنّ التحدث عن مجهود هؤلاء الرجال الأفذاذ المبذول في تلكم الأقطار سيأخذ منّا الجهد الكثير .. أحببنا في هذه الوقفة السريعة ذكرَ لمحةٍ سريعةٍ تتضمنُ قائمةً بأسماء بعض الحضارمة المشاركين في فتح مصر فمنهم:

1. ربيعة بن زرعة الحضرمي، من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، شهد فتح مصر.
2. زياد بن نعلم الحضرمي، قال في التجريد: مصري، قيل له صحبة.
3. سخدور بن مالك الحضرمي أبو علقمة، قال في التجريد: له صحبة، شهد فتح مصر.
4. سلامة بن قيصر الحضرمي، وقيل: سلمة، قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولأهلها عنه حديث واحد.
5. الأرقم بن حفينة التجيبي، قال ابن منده: سمعت ابن يونس يقول: أنه شهد فتح مصر.
6. أسعد بن عطية بن عبيد بن بجالة القضاعي البلوي، ذكره ابن يونس في تاريخ مصر وقال بايع تحت الشجرة وشهد فتح مصر.
7. جابر بن ماجد الصدفي ذكره ابن يونس وقال وفَدَ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشهد فتح مصر.
8. جعشم الخير بن خليبة بن شاجي بن موهب الصدفي بايع تحت الشجرة وكساه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قميصه ونعليه وأعطاه مِن شَعرِهِ قال ابن يونس في تاريخ مصر: إنه شهد فتح مصر، وغيرهم كثير.
وامتد نسل هؤلاء الحضارمة ببلاد مصر حتى تولى منهم عدد القضاء بها.. وفي هذه السطور سنعرّج على ذكرِ دور القضاة الحضارمة التسعة الذين تولّوا القضاء في أرض الكنانة مصر العربية.
ولنعلم أنهم ما تولّوا القضاء بها إلا لِمَ اجتمعَ في أشخاصهم مِن عوامل النبوغ والحنكة والحكمة وسعة الأفق وحصافة الرأي وجودة القريحة وصفاء النفس وسمو المقاصد ونبيل الغايات وملكة الفقه والإلمام الواسع بنصوص الكتاب والسنة واجتهادات السلف واستيعاب دلالات اللغة وقواعدها النحوية والبيانية والبلاغية إلى غير ذلك من الصفات الجليلة، والمقومات والعوامل السامية النبيلة التي عناها القائل بقوله:
لو ثقفتَ يوماً حضرمياً
لجاءك آيةً في النابغينا

قال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تع إلى في كتابه الجميل ((رفع الإصر عن قضاة مصر)) [ص 78]: قال لهيعة بن عيسى الحضرمي رحمه الله تع إلى : أنا تاسع تسعة ولُّوا القضاء بمصر من حضرموت، وهم: يونس بن عطية، وأوس، ويحيى، وتوبة، وخير، وغوث، ويزيد، وعبد الله، ولهيعة بن عيسى، وفي ذلك يقول الشاعر:

لقد ولي القضاء بكل أرض ** من الغرّ الحَضَارِمة الكرام
رجالٌ ليس مثلهمُ رجال ** من الصيد الجَحَاجِحَة الضخام
وقال آخر:
يا حَضْرموت هنيئاً ما خُصصتِ به ** من الحكومة بين العُجْم والعَرَبِ
في الجاهلية والإسلام يعرفه ** أهل الرواية والتفتيش والطلبِ
وكان سبب الرغبة فيهم، ما رواه ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن أبي الأسود عن ابن لَهيعة عن الحارس بن يزيد، أنّ معاوية كتبَ إلى مسلمة وهو على مصر ألّا يولّي عليها إلا أزْدياً أو حضرمياً، فإنهما أهل الأمانة.
وهاك أخي الحبيب تراجم موجزة لهؤلاء القضاة الحضارمة وإشارات لطيفة تلقي الضوء على أعمالهم القضائية:

القاضي الحضرمي الأول: يونس بن عطية الحضرمي:
هو يونس بن عطية بن أوس بن عَرْفج بن ضَمار بن مَرْثَد بن أسد بن رحب بن وائل بن نعمان بن يزيد بن يسار بن ربيعة بن عمرو بن حجر بن عمرو بن قيس بن كعب بن سهل بن زيد الحضرمي أبو كثير من المائة الأولى، كان بليغا.
قال ابن يونس كَانَ تابعياً، روى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذكر أنه رأى العباس وعلياً رضي الله عنهما فِي مجلس عثمان.
ولّاه عبد العزيز بن مروان ثمَّ أضاف إليه الشُّرَط فوليهما جميعاً، وكان كثير التلاوة للقرآن الكريم.
قال أبو عمر: كتبَ عبد الملك بن مروان إلى أخيه عبد العزيز أنه اختلف عليَّ بدمشق في نفقة المبتوتة فاكتُبْ إليّ بما عندك، فجمع الأشياخ وتكلموا، وكان يونس في أخرياتهم، فتكلَّم فأعجب عبد العزيز كلامه، فسأل عنه فقالوا هذا مِن سادات حَضْرَمَوْت، فولّاه قضاء مصر عِوضاً عن مالك بن شَراحيل وذلك فِي جمادى الأولى سنة أربع وثمانين للهجرة، وصرفه في مستهل سنة ست وثمانين للهجرة وكان اشتد بهِ الضعف حتَّى ثقل فيه، فكانت مدة ولايته سنة ونصفاً وشهراً، ومات بعد قليل في ربيع الأول منها، وقيل عاش إلى سنة سبع وثمانين وولي بعده ابن أخيه أوس ابن عبد الله بن عطية.

القاضي الحضرمي الثاني: أوس بن عبد الله بن عَطيَّة بن أوس الحضرمي:
وهو أوس بن عبد الله بن عَطيَّة بن أوس الحضرمي ابن أخي يونس بن عطية، ويأتي تمام نسبه في يونس، وهو من المائة الأولى.
لما ثقل عمّه وضعف ولّاه عبد العزيز بن مروان القضاء، وولى عبد الرحمن بن معاوية بن حُدَيْج التجيبي الحضرمي الشُّرط، فأقام أوس في القضاء شهرين ونصفاً، ثم صرفه عبد العزيز بعد موت عمه، وأضاف القضاء إلى والي الشرطة المذكور، وذلك في شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين للهجرة( ).

القاضي الثالث من القضاة الحضارم : يحيى بن ميمون الحضرميّ :
يحيى بن ميمون بن ربيعة بن إياس بن رَبيعة بن مِخْمَر بن مالك بن شَراحيل بن ربيعة يكنى أبا عَمْرَة، قال ابن يونس: روى عن سَهْل بن سعد السَّاعِدِيّ، وقال الحافظ المزي رَوَى عن: ربيعة الجرشي، وسهل بن سعد الساعدي، ووداعة الحمدي الغافقي، ووهب بن وهب المِصْرِي القاضي على خلاف فيهما، وأبي سالم الجيشاني.
روى عنه عَمرو بن الحارث، وعَيّاش بن عُقبة الحضرمي وعطاء بن دينار، وغيرهم، وقال أبو عمر: تولّى من قِبَل هشام بن عبد الملك فِي شهر رمضان سنة خمس ومائة.
وقال عبد العزيز بن أبي مَيْسَرة: لما استخلف هِشام وَلَّى قضاء مصر يحيى بن ميمون،ذكره النَّسائي فقال: لا بأس بِهِ، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وأخرج لَهُ أبو داود والنَّسائي.
ومن حديثه ما رواه الحافظ المزي في تهذيب الكمال بإسناده إليه قال: أخبرنا به أبو إسحاق ابن الدرجي، قال: أنبأنا أبو جعفر الصيدلاني، ومحمد بن معمر بن الفاخر في جماعة، قالوا: أخبرتنا فاطمة بنت عَبد الله، قالت: أخبرنا أبو بكر بن ريذة، قال: أخبرنا أبو القاسم الطبراني، قال: حَدَّثَنَا بشر بن موسى، قال : حَدَّثَنَا أبو عبد الرحمن، قال: حَدَّثَنَا عياش بن عقبة الحضرمي، قال: سمعت يحيى بن ميمون الحضرمي يقول: وقف علينا سهل بن سعد الساعدي ونحن في المسجد، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة فهو في صلاة، توفي ابن ميمون الحضرمي آخر سنة مائة وأربعة عشر هجرية.
قال الزركلي في الأعلام: يحيى بن ميمون بن ربيعة الحضرمي، أبو عمرة: قاضي، من أهل مصر،ولّي بها القضاء سنة 102 ه وعزل سنة 114ه قبيل وفاته، وهو مِن رجال الحديث( ).

القاضي الحضرمي الرابع: توبة بن نَمِر الحضرمي :
توبة بن نَمِر بن حَرْمَل بن ربيعة بن نمر بن شَاجي بن نمر بن لِشَرح بن خزيمة الحضرمي، يكنى أبا محجن وأبا عبد الله، روى عن أبى عفير عن ابن عمر روى عنه الليث بن سعد وعمرو بن الحارث وابن لهيعة وزِيَاد بن عَجْلان والعلاء بن كثير وجابر بن أبي عَطَاء وضِمَام بن إسماعيل.
قال ابن يونس: كانت له عبادة وفضل، وكانت له امرأة يقال لها عُفَيْرة، من علية النساء وأهل الفضل، وكانت ولايته القضاء مِن قبل الوليد بن رفاعة فولّاه القضاء في مستهل صفر سنة خمس عشرة ومائة قال غوث بن سليمان: أرسل إليه الوليد حين مات الخيار بن خالد فدخل عليه وهو على سريره، ومعه امرأته عفيرة الأشجعية وكانت برزة فولّاه القضاء، فقالت له امرأته: والله ما حاباك ابن رفاعة بهذه الولاية فلو وجد في قيس كلها من يسد مسدك لآثره عليك.
وأخرج ابن عمر الكندي من طريق ابن لهيعة قال: لما ولي توبة القضاء دعا امرأته فقال لها: أي صاحب كنتُ لكِ يا أم محمد؟ قالت: خير صاحب وأكرمه، قال فاسمعي ما أقول لك: لا تعرضي لي في شيء من القضاء، ولا تذكريني بخصم، ولا تسأليني في حكومة، فإن فعلتِ شيئاً من ذلك فأنتِ طالقٌ ثلاثاً، فإما أن تقيمي مكرّمة، وإما أنْ تبيني ذميمة، فانتقلت عنه، فلم تكن تأتيه إلا في الشهر أو الشهرين.
وعن عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه قال: سمعت أبي يقول: إن رجلاً وامرأته اختصما إلى توبة فطلقها، فقال له توبة متعها، فامتنع فلم يلزمه بذلك، ثم جاءه الرجل بعد ذلك في شهادة فلم يقبله، وقال: إنك أبيتَ أنْ تكون مِن المحسنين، وأبيتَ أنْ تكون من المتقين، ولم يقبل له شهادة، ومعنى أبيتَ أن تكون من المحسنين: أي المذكورين في قوله تعالى: ((لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ )) [سورة البقرة: 236] .
ومعنى أبيتَ أنْ تكون من المتقين :أي المذكورين في قوله تعالى: ((وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)) [سورة البقرة: 241]. فانظر أخي القارئ يرحمك الله إلى دقيق فقهه وسعة علمه.
قال الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة: وهو أول من قبض الأحباس من أيدي أهلها وأدخلها ديوان الحكم خشية عليها من أن يتجاحدوها ويتوارثوها، وقال عمرو بن خالد الحراني: حدثني ربيعة بن أخي غوث الحضرمي قال: كان توبة لا يملك شيئا إلا وهبه ووصل به إخوانه،توفي سنة عشرين ومائة للهجرة، فلما مات استقضى عبد الله بن لهيعة، وابنته تحت ابن لهيعة( ).

القاضي الحضرمي الخامس: خَيْر بن نُعَيم الحَضْرَمي:
خَيْر بن نُعَيم بن مُرَّة بن كُرَيْب بن عمرو بن خزيمة بن أوس الحَضْرَمي، مِن بني ناهِض، يُكنّى أبا إسماعيل، وأبا نعيم، وأبا الخير، ولّي مِن قبل حَنْظَلة بن صَفْوان الكَلْبي أمير مصر، في ربيع الآخر سنة عشرين ومائة، وكان ولّي قضاء بَرْقة قبل ذلك .
قال أبو زرعة: صدوقٌ لا بأس به، وقال أبو حاتم: صالح، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات.
روى عن عبد الله بن هبيرة وعطاء بن أبى رباح وأبى الزبير روى عنه يزيد بن أبى حبيب والليث ابن سعد وعياش بن عقبة الحضرمي.
أخرج له مسلم حديثاً واحداً، قال فيه: حدَّثنَا قُتَيْبَةُ بن سعيدٍ حدَّثنَا ليثٌ عن خَيْرِ بن نُعَيْمٍ الْحضْرَمِيِّ عن ابنِ هُبَيْرَةَ عن أبي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ عن أبِي بَصْرَةَ الغِفَارِيِّ قال:صلّى بِنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم العصرَ بِالمُخَمَّصِ فقال: ((إِنَّ هذهِ الصَّلاةَ عُرِضَتْ على مَنْ كان قبلكُمْ فَضيَّعُوهَا فمَنْ حافظَ عليها كانَ لهُ أجرُهُ مَرَّتيْنِ وَلا صَلاةَ بعْدهَا حتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ)) وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ، وله أحاديث عند أحمد والنسائي والدار قطني وغيرهم.
قال: ضمام ابن إسماعيل، عن يزيد بن أبي حبيب قال: ما أدركتُ مِن قضاة مصر أفقه مِن خير بن نعيم.
وقال عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم عن يحيى بن عبد الله بن بكير أنّ رجلاً من الجُنْد قذف رجلاً، فخاصمه إلى خير، وأقام عليه شاهداً فحبسه، فأخرجه أبو عون الجندي من الحبس وكان من أهل النفوذ في الدولة، فاعتزل خير، وترك الحكم، فراسله أبو عون فقال: لا، حتى ترد الجندي، فامتنع واستمر خير على الامتناع، وكانَ ذلك في شهر رمضان سنة خمس وثلاثين، وعاش خير بن نعيم بعد ذلك إلى أن مات في آخر سنة ست وثلاثين، أو أول سنة سبع وثلاثين ومائة، وقبره عند مشهد أم كلثوم بالقرافة( ).

القاضي الحضرمي السادس : غوث بن سليمان الحضرمي:
هو غوث بن سليمان بن زياد بن ربيعة بن نُعَيْم بن ربيعة بن عَمرو بن عبيدة ابن جذيمة الحَضْرَميّ ثم الصُّوَراني أبو يحيى، ولد سنة أربع وتسعين هجريةحكاه أبو سعيد ابن يونس عن ابن بكير.
قال ابن يونس: ولي القضاء بمصر ثلاث مرات من قبل المنصور والمهدي.
وقال: وكانت أول ولايته من قبل المنصور في النصف من شهر رمضان سنة خمس وثلاثين بعد عزل خير بن نُعيم نفسه، قال المُفصَّل بن فَضالة: لم يكن غوث بن سليمان فقيهاً، ولكن كان أعلم الناس بمعاني القضاء وسياسته، فكان أمره من أحسن شيء.
وأخرج ابن يونس من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا أبو رجاء حَمّاد بن المِسْوَر، قال: قدِمتْ امرأة من الريف وغَوْث ذاهب إلى المسجد عند السرَّاجين فشكتْ إليه أمرها وأخبرته بحاجتها، فنزلَ عن دابته في بعض حوانيت السراجين وكتبَ لها بحاجتها، ثم ركب إلى المسجد، فانصرفتْ المرأة وهي تقول: أصابت والله أمك حِين سَمَّتْكَ غَوْثاً، وأنت والله غوث عند اسمك.
ولم يزل غوث بن سليمان على ولايته هذه إلى أن مات في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين ومائة للهجرة، وكانت ولايته الأخيرة سنة واحدة، وصلى عليه موسى بن مُصْعَب الخَثْعَمِي أمير مصر( ).

القاضي الحضرمي السابع : يزيد بن عبد الله الحضرمي :
يزيد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن بلال الحضرمي، يُكنّى أبا خالد.
ذكره بعضهم فِي قضاة مصر وَلَمْ يكن ولّي القضاء استقلالاً، وإنما كَانَ ولي نيابة عن غَوْث بن سليمان لما خرج مجاهداً، ثُمَّ فوض إِلَيْهِ غوث الحكم نيابة عنه فِي البلد واستراح غوث مدة.
قال ابن يونس: ولّاه غَوْثَ بن سليمان خلافته، وَكَانَ قَبْل ذَلِكَ عَلَى قضاء إِخميم، فبقي فِي الحكم أربعة أشهر، وَكَانَ فِي تِلْكَ المدة يكتب القضايا باسم غوث بن سليمان ولا يثبت اسمه عَلَى شيء منها، قاله سعيد بن عُفَيْر.
وقال أبو عمر الكندي بسنده إِلَى زَيد بن بشر عن ربيعة ابن أخي غوث بن سليمان، أن غوث بن سليمان استخلف يزيد بن عبد الله لما خرج إِلَى الصائفة، ثُمَّ أسند عن ابن قُدَيد أن ابن بلال مات فجأة فِي ذي القعدة سنة أربعين ومائة، فكانت مدة نظره أربعة أشهر.
ولما مات رَكِب غَوْث فضم الديوان إليهِ ، ولما تكاثرت الخصوم عَلَى غوث قال: رحمة الله على أبي خالد، لقد كان يسدّ عنَّا مسدّاً( ).

القاضي الحضرمي الثامن: عبد الله بن بلال الحضرمي:
عبد الله بن بلال الحضرمي، ذكره ابن يونس فقال: ولّي قضاء مصر.
قلت: ولم يذكره أبو عمر الكندي ولا مَن بعده، فيحتمل أنْ يكون ولّاه بعض الأمراء عند موت أحد مِن قضاة مصر، إلى أن يجئ الخبر مِن الخليفة بتعيين مَن يتولّى عن الخليفة، حيث لا يكون لأمير مصر أنْ يُقرّر القضاة، له مِن الولد يزيد بن عبد الله بن بلال الحضرمي، استخلفه غوث بن سليمان لما غَزَا سنة أربع عشرة.

القاضي التاسع : من القضاة الحضارمة عبد الله بن لهيعة الحضرمي:
قال الذهبي في التذكرة: ابن لهيعة الإمام الكبير قاضي الديار المصرية وعالمها ومحدّثها أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان الحضرمي المصري.
قال الحافظ ابن حجر في رفع الإصر : عبدا لله لهَيعةُ بنُ عيسى بن لَهِيعَةَ بن عقبة الحَضْرَمِيّ: قال ابن يونس: أمه أمّة العزيز بنت غياث بن عقبة ويُكنّى أبا عكرمة، وكان لهيعة ماهراً في صناعة القضاء، أخذ ذلك عن عمّه.
وفي تذكرة الحفاظ: قال الإمام أحمد بن حنبل: ما كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه.
وقال زيد بن الحباب قال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع.
وحينما نظم دخل الثغور ومستحقاته قال في ذلك فِراس المُراديّ قصيدة طنانه منها قوله:
لَهِيعَ لَقَدْ حُزْتَ المَكَارِمَ والثَّنَا ** وَمِنْ عِنْدِ رَبيّ فَضْلُهُ ومَوَاهِبُهْ
فَقَدْ عُمِّرَت تِلْكَ الثُّغُورُ بِسْنَّةٍ ** تُعَدُّ إذا عُدَّتْ هُنَاكَ مَنَاقِبُه
ومات لهيعة وهو على القضاء في أول ذي القعدة سنة أربع ومائتين هجرية.
وقال الزركلي في الأعلام( ): لهيعة بن عيسى الحضرمي: قاض، من حضارمة مصر، ولّي قضاءها سنة 196ه أيام علي الأمين العباسي، والفتنة مشتعلة، وعطاء أهل الديوان معطل، فجمع لهيعة أموال الأحباس (الأوقاف) وفرض فيها فروضا، وأجرى العطاء، فحمد له ذلك وصار سنة بعده، وسُميت طريقته "فروض لهيعة" إلى أنْ سماها ابن أبي اللطيث "فروض القاضي" وعزل سنة 198 ه وأعيد في مبتدأ 199ه فاستمر إلى أن مات، وهو على القضاء، وكان يقول: أنَا تاسعُ تسعةٍ ولّوا قضاء مصر مِن حضرموت، توفي سنة 204هجرية( ). هذا وبالله التوفيق.

زر الذهاب إلى الأعلى