أرشيف الرأي

اقتحام السفارة إساءة أكبر

الثورة ليست تقليدا ولا فرد إصبعي السبابة والوسطى أمام الكاميرا، أو شبك اليدين بعد صلاة الجمعة تعبيرا عن "تلاحم" اليمنيين! وحق التظاهر، وهو حق مقدس وعظيم، ليس ضرباً من الترويح عن النفس و"فش الغل" ناهيك عن أن يكون استعراضاً حزبياً وفعل مناكفة وتحسين شروط. الأكيد أنه لم يعد هناك قيمة للفعل الثوري، ولا مصداقية، ما دام صادراً عن جهة تنتحل تمثيل الثورة في الوقت الذي تقوم فيه بوأدها. ومن غيرها أقصد: اللجنة التنظيمية للثورة.

بالأمس تدفق المصريون إلى أمام السفارة الأمريكية احتجاجاً على الإساءة إلى شخص النبي الكريم. كان التظاهر كافياً ونبيلاً غير إن الحماسة حولت الاحتجاج السلمي إلى واقعة اقتحام سفارة أجنبية. ويبدو أن أحداث مصر أيقظت غريزة "الفشرة" والإدعاء الكاذب لدى ثوار اللجنة التنظيمية الذين قرروا، هروباً من أسئلة الهجوم الإرهابي ومواصلةً لمسيرات المباخر الحزبية حسب وصف نبيل سبيع، الخروج في مسيرة احتجاج إلى أمام السفارة الأمريكية مثل المصريين!

أخيراً تذكرتم أن هناك سفارة أمريكية في اليمن!!

يريدون تقليد المصريين إذن وما المانع؟ قلدوا. أهداف ثورة سبتمبر ذاتها نسخ لصق من ثورة يوليو! كل شيء مشروع. وأثناء المسيرة سيحدث بعضهم بعضا بواحدية الثورتين المصرية واليمنية، رغم اختلاف مآلهما اختلافاً جذرياً، وسُيسمع من وسط الحشود ترديد شعارات بلكنة مصرية على طريقة "شوتر وزنبقة" في المسلسل الرمضاني. في المساء سيعودون منتشين بمصمصة هذا الوهم! نحن مثلهم.

تجاهلوا كافة المقارنات، الكبيرة والصغيرة، بين الثورتين واكتفوا بهذه. كيف يغفل ثوار اللجنة التنظيمية حقيقة أن مصر كلها كانت لتشتعل ويجرح كبرياؤها لو أن طائرة أمريكية شنت غارة واحدة، أكانت دقيقة أم خاطئة، داخل الأراضي المصرية. ثوار مصر يتبنون القضايا العامة دون توجيه حزبي أو إذن لجنة تنظيمية!

أنا أؤيد منذ وقت طويل خروج مسيرات احتجاج إلى السفارة الأمريكية تعبيراً عن استياء شعبي من غارات واشنطن المستفزة والقاتلة، وعجرفتها السياسية المتمثلة في رفضها الاعتذار لأبرياء المعجلة وجعار ورداع وغيرهم. الوضع مختلف الآن. خاصة وأن السبب الفعلي، لكن الخفي، لدعوة اللجنة التنظيمية لمسيرة احتجاج أمام السفارة الأمريكية هو الحرج الشعبي المتزايد على الإصلاح بسبب موقف الحوثي من أمريكا ومناهضته الشعاراتية لها وإن كانت لا تخلو من تنطع وإدعاء وسلفية!

أنا مع التظاهر احتجاجاً على بقاء عبدالاله حيدر في السجن إلى اليوم ولست مع أية مظاهرة تحركها دوافع أيديولوجية. أنا مع التظاهر تعبيراً عن حالة يمنية خالصة ولست مع مسيرة الرياء إلى السفارة الأمريكية لا لأنني لم أغضب من الإساءة إلى النبي الكريم بل لإدراكي أنهم أدعياء ومزايدون وأن منظمي المسيرة أنفسهم أغضبوا رسول الله واساؤا إلى رسالته العظيمة أكثر من ذلك الأمريكي السفيه. وحسبنا من أفعالهم المخزية رمي عشرات الجثث في الثلاجة لأكثر من عام وإدعاء أنهم مجهولي الهوية دون يكلف أحدهم نفسه عناء التأكد من جيوب جثة الدهمشي التي كان فيها بطاقة هوياته وبياناته الشخصية.

كفوا عن التنطع والمزايدة بالنبي الكريم عليه أفضل وأتم الصلاة والتسليم.

* كتب هذا المقال قبل مقتل السفير الأمريكي في ليبيا واقتحام السفارة الأمريكية في صنعاء

زر الذهاب إلى الأعلى