لفت انتباهي خبر تناقلته مواقع إلكترونية إخبارية مشهورة، عن سعي حكومة الكيان الصهيوني لإبرام عقود استيراد نحو خمسين ألف حمار من اليمن ، وضعف ذلك العدد من مصر، لغرض البحث العلمي؛ وأيا كان الخبر حقيقيا أو للاستهلاك الإعلامي؛ فإن رقما كبيرا كهذا، يثير الكثير من التساؤلات، كما أن الأمر-في الوقت ذاته -سيضع اليمن ومصر -وفق هذه العملية- في قائمة الدول المصدرة للحمير..!!
لا يسْخرن أحد منكم لهذا الطرح؛ فإن الحمار كائن خدوم، وصبور، وعنيد أيضا، وهو من أكثر الحيوانات نفعا للفلاح، في كل أرجاء المعمورة، بل قد يثير اندهاشكم إذا قلت لكم: إنه ذات فترة من فترات ما قبل وما بعد قيام ثورة سبتمبر، كانت بعض الحمير محسوبة على قوام بعض الوحدات العسكرية اليمنية، في الجزر، والمناطق الجبلية، وكانت تتمتع بالحقوق الخاصة بها من مختلف النفقات التي يتمتع بها الجندي، وكان دورها يتمثل في حمل المواد الغذائية، والذخائر، والأسلحة، وغير ذلك، بين المواقع، وفي الطرق الجبلية شديدة الانحدار، التي لا تستطيع اجتيازها وسائل النقل الحديثة.
حكى لي بعض الأصدقاء، أن حمارا كان مستخدَما في إحدى الجزر للأعراض السالفة الذكر، وكانت حالته تسوء يوما إثر يوم، وذات مرة؛ انتابت ذلك الحمار حالة نفسية فظيعة استرعت انتباه الجميع، حيث أخذ الحمار يذرع الأرض سريعا، في حلقات دائرية تزيد عن العشرين حلقة، ثم انطلق كرمح يبحث عن هدف، باتجاه البحر، وكأنه قد قرر أن الانتحار هو سبيل خلاصه الوحيد من دوامة العمل اليومي في ظل انعدام أنيس له من فصيلته من الإناث، وكان البحر هو محطته الأخيرة في هذه الدنيا الغادرة!!
ووفقا لخاصية الصبر، وقوة التحمل، والعناد، والرؤية الواحدة؛ فإن الحمار قد اتُّخذ شعارا حزبيا -لكنه غير معلن- لدى الجزب الديمقراطي الأمريكي، منذ أكثر من قرن ونصف القرن، معتبرين أن أوجه التشابه بين الحمار والحزب الديمقراطي تتجسد في الصفات السابقة، وأن البرامج الجادة تحتاج إلى الرجال الذين يتمتعون تلك الصفات، ولا غرابة أن نرى أن الكثير من رؤساء الولايات المتحدة من الديمقراطيين، هم من أكثر الرؤساء صبرا، وتجلدا، وتحملا، وعنادا، في كل ما يخدم الولايات المتحدة، مقارنة بالرؤساء الجمهوريين.
وعلى ذكر ذلك الحمار الذي اقتحم البحر بحثا عن الموت المريح من عناء الدنيا وهمومها، أسرد على مسامعكم هذه الأبيات الشعرية الغنية الدلالة، علها تعبر عن الكثير من المواقف التي تعتري حياتنا، فهي تذكرنا -مثلا لا حصرا- أن بعض الأشياء قد نحسبها ثمينة؛ فنذرف عليها الدمع، حين تغادرنا، ثم لا نلبث أن نكتشف أن آخرين لا يعيرونها اهتماما؛ لأنها غير مجدية النفع، ولا مستساغة المنظر.
سقط الحمار من السفينة في الدجى--- فبكى الرفاق لفرقه وترحموا
حتى إذا طلع الصباح أتت به ---نحو السفينةِ موجةٌ تتقدمُ
قالت: خذوه كما أتاني سالما -- لم أبتلعه لأنه لا يهضمُ