آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الرابحون والخاسرون في مشروع الانفصال

«1»
يبدو أنه لا مفر أن نخرج بين الحين والآخر من مهمة المواجهة السياسية والإعلامية لمشروع النظام السابق؛ الذي ما يزال يحاول العمل على استمراره ورموزه بشكل ما؛ لمناقشة قضايا يثيرها «البعض» بعيدا عن المواجهة المطلوبة الآن!

وقضية الوحدة والانفصال؛ على هامش القضية الجنوبية؛ هي إحدى القضايا التي تفرض علينا الالتفات إليها مع إصرار «البعض» على تقديمها للرأي العام بقدر كبير من التزييف والتشويه؛ حتى صار الحديث عن الانفصال وفك الارتباط خيارا سياسيا مشروعا يتحمس له البعض ممن يضع نفسه في صفوف المناهضين لنظام علي صالح؛ دون أن ينتبه أنه بذلك ينفذ سياسة طالما اتهموا النظام السابق بها.. بمعنى أنهم يتهمون «صالح» بالانفصالية وبممارسة سياسات انفصالية ثم ها هم اليوم – بعد رحيل صالح وجزء مهم من نظامه- يسيرون في الطريق نفسه لتفتيت اليمن وفصل جنوبه عن شماله! مع أن العقل والمنطق يقولان: طالما أنكم تتهمون «صالح» بأنه انفصالي بل والانفصالي الحقيقي فالأصل أن تكونوا أنتم الوحدويين بل والوحدويين الحقيقيين الذين يعملون على إفشال المخطط الانفصالي وليس تمكينه من النجاح!

«2»
الرابحون والخاسرون في مشروع الانفصال جهات كثيرة، بعضها يعلم وبعضها لا يعلم.. أو ربما أنها تعلم ولكنها تساق إلى مصيرها البائس باستسلام أعمى.. ولذلك سنحاول أن نسلط شيئا من الأضواء على هؤلاء وخاصة الخاسرين منهم!

ولنبدأ ب«الرابحين».. والمفاجأة أن «نظام صالح» سابقا سيكون هو أحد كبار الرابحين؛ لأن مشروع الانفصال إن تم – لا قدر الله- فسيكون على أيدي خصومه وأعدائه ولا فخر ويكسب «صالح» صفة المحافظ على الوحدة الغيور عليها! ومهما تكن المبررات فسيأتي يوم؛ قد يكون أقرب مما يتوقع البعض؛ ستبدو فيه الوحدة اليمنية والنظام السياسي الذي انبثق عنها عام 1990م؛ على بلاويه وفساده؛ حلما وأمنية ويترحمون عليه لكثيرين؛ ممن فرطوا بوحدة وطنهم تحت ضغوط عوامل وانفعالات وحسابات خاطئة ومجنونة وبائسة.. تماما كما نسمع ونقرأ الآن من يترحم على أيام الإمام.. وعهد الاستعمار البريطاني.. وكما يحدث مع الذين يتفاخرون بالفدرالية التي كانت قائمة في جنوب اليمن أيام حكم الاستعمار!

في قائمة الرابحين أيضا؛ هناك مشروع الحوثي المذهبي الذي لا مستقبل له للهيمنة على محافظات بعينها إلا بتفكك الدولة اليمنية القائمة الآن.. فمع وحدة اليمن يصير هذا المشروع مشروع أقلية مذهبية قصارى ما يحق لها أن تتمتع بحريتها في ممارسة شعائرها المذهبية مثلها مثل بقية أتباع المذاهب الأخرى.

تنظيم القاعدة؛ وأي جماعات عنف أخرى؛ ستكون أيضا من ضمن قائمة الرابحين بحدوث الانفصال؛ وخاصة في المحافظات الجنوبية حيث ارتبطت تلك المناطق بفكرة الجهاد ضد النظام الشيوعي السابق في نهاية الثمانينيات وصولا إلى ظهور مجموعات متتالية توجت بأنصار الشريعة! وكما هو معلوم فإن سقوط الدولة أو ضعفها يوفر بيئة مناسبة لجماعات العنف كما حدث في أبين وقبلها في صعدة.. وكذلك حدث في محافظات أخرى كشبوة والجوف لولا أن المواطنين فيهما نجحوا في مواجهة مخططات السيطرة على مناطقهما!

«3»
وكما يحدث في بلدان مشابهة؛ فإن قائمة الرابحين سوف تضم عصابات دولية سيكون لها امتدادات داخلية تستغل حالة الفوضى والضعف لممارسة أعمالها غير المشروعة مثل تهريب الأسلحة، والمخدرات، والبشر، وتحويل اليمن إلى صومال جديدة تحقيقا لنبوة أو مخطط «صالح» الذي طالما تحدث عنه، ويعمل المغفلون لتجسيده في الواقع!

ومن الرابحين أيضا؛ أصحاب المشاريع المناطقية الأصغر من مشروع إعادة إحياء دولة الجنوب السابقة.. فالثابت الآن أن مشروع إحياء دولة الجنوب «1967-1994» هو مشروع مجموعة من القيادات الحزبية والعسكرية القديمة في تلك الدولة، ومعظم هؤلاء ينتمون إلى عدد محدود من المديريات في محافظات أبين والضالع وشبوة ولحج.. لكن هناك أيضا مشاريع أخرى تبدأ من حضرموت الكبرى والصغرى أو ما تيسر منها، وعدن.. والمهرة.. وهي كلها مشاريع تتقاطع مع مشروع دولة الجنوب التي ما يزال تاريخ نظامها السياسي وسياساته يثير خوفا ورعبا لدى جزء من الجنوبيين الذين قد يندفعون لما هو أبعد من ذلك إن وجدوا أن نظام «1967-1994» سيعود مجددا بتاريخه السيء وقياداته الحزبية والعسكرية والسياسية المعروفة لديهم. وخلال الأسابيع الأخيرة قرأت تصريحا للدكتور/ فاروق حمزة أحد قيادات الحراك العدني «إن جاز التعبير» يعلن فيه أن عدن ليست يمنية وأنها جزء من بريطانيا.. أو كما قال.. ومن قبله ظهر في حضرموت دعاة الدولة الكثيرية الناقمون على احتلال بلادهم وضمها قسرا إلى دولة الجنوب «1967-1994» الرافضون لاعتبارهم جزءا من الجنوب فضلا عن الشمال!

ونظن الآن أن أحدا لن يستطيع أن يستنكر على فاروق حمزة إيمانه بعدم يمنية عدن فقد سبقه إلى ذلك «حسن باعوم» وغيره من الحراكيين دون أن يحرمهم أحد من شرف صفة «المناضل»!

«4»
أما قائمة الخاسرين في مشروع الانفصال «ونحن هنا لا نتحدث عن الشعب والأفراد بل عن الجماعات» فيأتي في مقدمتهم الأحزاب الكبيرة في اللقاء المشترك وخاصة: الحزب الاشتراكي اليمني، والإصلاح، والتنظيم الناصري الوحدوي.. ولنبدأ بالإصلاح والناصري لأنهما يحملان مشروعين: قومي وإسلامي لن يكون لهما حظ في المستقبل إن حصل الانفصال.. وفي أحسن الأحوال سوف يواجهان تشكيكا في جديتهما في إيمانهما بالوحدة العربية والأخوة الإسلامية.. أما في الجنوب فسوف يوضعان في القائمة السوداء باعتبارهما حزبين تشكل «الوحدة» عنصرا أساسيا في فكرهما، ولا يستطيع واحد من كوادرهما النطق باسم الوحدة وإلا كان مصيره كمصير اليهود في ألمانيا!

أما الحزب الاشتراكي «اليمني» فسيكون هو أكبر الخاسرين؛ ليس فقط لأنه سيتعرض مثل غيره للانقسام إلى جنوبي وشمالي «وربما أكثر من ذلك» ولكن لأنه سيتحمل مسؤولية «مزدوجة» عما حدث؛ ففي الجنوب سيحملونه مسؤولية الوحدة التي حدثت.. والتي تبناها منذ 1967، ولن ينفعه الاعتذار وإلقاء المسؤولية على خيانة «صالح» وغدره به.. وكل ما سيلحق فكرة الوحدة من سوء سيكون للاشتراكيين وحزبهم نصيب كبير منه؛ وخاصة إن عرفنا أن الانفصال سيعيد إلى الجنوب جماعات كثيرة تضررت من ثورة 14 أكتوبر والنظام السياسي الذي انبثق عنها وسياساته الاقتصادية والاجتماعية.. ومن شبه المؤكد أن جماعة «أنصار الشريعة» بكل ما تحمله من كراهية للاشتراكيين ستبدو معتدلة في ذلك الحين عندما تحين ساعة المحاسبة والانتقام!

وفي الشمال سوف يكون «الحزب الاشتراكي» خاسرا كبيرا أيضا.. وسيحمله كثيرون وخاصة العامة مسؤولية الانفصال؛ على الأقل بحكم الدور الذي لعبته كوادره في التمهيد والدعوة لذلك.. فهو سيكون مدانا في الجنوب لأنه «وحدوي».. وفي الشمال لأنه «انفصالي»!

«5»
ما حدث للنائب «حاشد» من قبل الحراكيين في عدن هو مثال آخر على الخاسرين في مشروع الانفصال.. فالاعتداء الذي حدث عليه؛ برغم كونه من أشد المناصرين للحراك الانفصالي؛ يعطينا فكرة عما سيحدث لأمثاله في المستقبل.. ليس فقط لأنه «شمالي» ولكن لأنه بالذات ينتمي لمحافظة «تعز» التي يكنّ معظم الانفصاليين لها ولأبنائها كراهية خاصة وحقدا أسود لا مثيل له، ويعتبرونهم أبناء عبدالفتاح إسماعيل وأتباع جارالله عمر! وكل من يؤيد الوحدة من أبناء الجنوب يتهم فورا بأنه عميل للشماليين وصاحب مصالح معهم.. وأما إن كان من أبناء عدن فهو من أصول شمالية ومن تعز بالذات وناكر لجميل الجنوب الذي آواه.. ولو كان هو وأبوه وأمه من مواليد عدن قبل أن يسمع الانفصاليون وأجدادهم بشيء اسمه.. عدن!

«6»
قد يقال: ألن يكون رجال الأعمال والمستثمرون من الشمال في الجنوب من الخاسرين؟ والجواب إنهم هؤلاء يتمتعون واستثماراتهم بحماية دولية، ولن يجرؤ أحد على المساس بها إلا بتعويض عادل.. وفي الغالب فإن نجاح فكرة الانفصال ستجعل من مناطق الجنوب مناطق خطرة على الاستثمار!

«7»
السطور السابقة كانت مقدمة لمناقشات في الأسابيع القادمة حول تصريحات لعدد من الأخوة في الحزب الاشتراكي اليمني حول مؤتمر الحوار الانفصال والوحدة نرى أن عدم مناقشتها وتبادل الرأي حولها إعادة إنتاج مأساوية للأزمات السابقة!

زر الذهاب إلى الأعلى