[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

السيادة الوطنية خارج نطاق الخدمة

انفضت نسبيا المظاهرات الغاضبة في اليمن احتجاجا على الفيلم المسىء حتى حين، وأفضت فيما أفضت إليه إلى استضافة بالإكراه للمزيد من قوات المشاة البحرية الأمريكية المارينز تحت ذريعة حماية سفارتهم. لن أخوض في الفيلم التافه ولا الموقف من ردود الأفعال التى ثارت حوله فكل هذا قتل بحثا، لكن ما يستوقفنى هى قضية السيادة الوطنية وهنا لابد من تذكير سريع لتوضيح الصورة.

فى اليوم ذاته الذى خرجت فيه المظاهرات الأعنف في كل من ليبيا ومصر أُعلِن في اليمن عن انفجار عبوة ناسفة بالقرب من سفارة أمريكا في صنعاء وقد وُصِف الحادث على الفور بأنه ردة فعل أولية على الفيلم، وبرغم وصول العنف ذروته باقتحام السفارة الأمريكية في ليبيا ومقتل السفير، ومحاولات اقتحام مماثلة في القاهرة أبقت السفارة الأمريكية في صنعاء إجراءات الحماية على حالها، ولم تتخذ أية إجراءات احترازية إضافية وكأنها ووزارة الداخلية قد اتفقتا على أن تشرع الصدور لاستقبال المتظاهرين الغاضبين، وبالفعل جاء الغاضبون في اليوم الت إلى مباشرة واقتحموا السفارة ونهبوا محتوياتها في مشهد مهين. فإذا ربطنا كل هذا بالتحذيرات التى كانت قد أطلقتها الولايات المتحدة قبل هذه التداعيات بنحو أسبوع أو أكثر، والتى تفيد بأن سفاراتها في المنطقة مهددة ومنها اليمن بالطبع، فإن التساؤلات بشأن كل هذا التساهل تبدو أكثر إلحاحا.

وُجِدت الذريعة بالفعل وأعلنت الولايات المتحدة عن إرسال قوات مارينز لحماية سفاراتها وتتراوح التقديرات الحكومية لعدد الجنود ما بين 50 و150 في حين تشير المصادر المستقلة لنحو 300 جندى، أما المعدات والآليات المرافقة لهم فتقدرها المصادر الحكومية بنحو 20 عربة مصفحة لتأمين البعثة، بينما المصادر المستقلة تتحدث عن 300 آلية دون تحديد نوعيتها، ولو صح هذا العدد فهو بالقطع يفوق قضايا تأمين البعثة ويتجاوزها.

هناك أخبار تتحدث عن وصول متكرر لدفعات من المارينز بمعداتهم لقاعدة العند في جنوب اليمن تحت نفس الغطاء أى أنهم سينضمون لحماية السفارة الأمريكية في صنعاء ولا نفهم لماذا لم ينطلقوا لهناك مباشرة أسوة برفاقهم، يبرر البعض بأن قوات المارينز كلها تصل عبر العند، لكن هناك أقوالا أخرى تشير إلى إن البعض وصل عبر مطار صنعاء، هنا تثار التساؤلات، هل العدد كبير لهذه الدرجة ويحتاج إلى التقسيم على دفعات؟ أم أن بحوزتهم آليات ثقيلة ويحتاجون لقاعدة عسكرية بحجم العند لنقلها؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أن قاعدة العند الجوية هى المنطلق الذى تخوض منه الولايات المتحدة حربها ضد القاعدة في اليمن.

****

تواجد المارينز في اليمن بهذا الشكل السافر لا ينبغى التهوين من شأنه فقد يكون مبررا لاشتعال نار لا تتوقف في البلاد، خصوصا أن هناك تبارى بين القوى الراديكالية في إظهار العداء للولايات المتحدة بهدف كسب ود قطاعات من الشعب واستقطابهم لصالحها سواء كان هذا بشكل حقيقى أو مفتعل، وينشط بشكل واضح في هذا الصدد دور الحوثيين والقاعدة وحتى السلفيين وكل هذا من شأنه توليد المزيد من العنف في بلد يعانى من انفلات أمنى حقيقى.

الأهم أن هذا التواجد لا يستند إلى أى غطاء شرعى خصوصا بعد الهجوم الشرس الذى قوبل به في مجلس النواب واتفاق غالبية النواب من مختلف المشارب والاتجاهات على رفضه، كما تبقى كل تبريرات الحكومة بشأن محدودية هذا التواجد زمنيا ونوعيا وأنه مرتبط بالظروف الراهنة التى تعجز فيها الدولة عن حماية السفارة، وأنهم بهذا يحولون دون إغلاق السفارة الأمريكية الأمر الذى من شأنه إن حدث أن يؤدى إلى تعطيل الأعمال، وهو أمر مضحك بالفعل، وليخبرونا ماهية هذه الأعمال التى ستتعطل، أهى بعثات الطلاب إلى الولايات المتحدة أم التأشيرات الميسرة للسياحة والزيارة التى نحصل عليها؟ أم حجم الاستثمارات الهائل بين البلدين؟

****

من المعروف أن البعثة الدبلوماسية عندما تكون مهددة في بلد ما تغلق أبوابها ويغادر الطاقم حتى تحسن الأوضاع وفى هذه الأثناء تجد وسيلة مناسبة لمتابعة أعمالها، لا أن تأتى بجيشها وجحافلها لحماية البعثة عنوة، هذا ليس أسلوب تعامل بين الدول كاملة السيادة.

يا حكومة الوفاق ودولة الكرامة.. أهذا هو حال السيادة بعد ثورة حرية عمدت بالدماء.

زر الذهاب إلى الأعلى