كانت صور الجماجم الحية لهياكل الأطفال العظمية عنواناً للمجاعة في الصومال وبعض دول جوارها الإفريقي، ولم يكن في البال أن يتمدد المشهد لتحمل هذه الصور الملامح العربية في بلد يطفو على بحر من الثروات، وإرث مكتظ بالحضارات، وشعب اشتهر بصناعة الفرص على طريقة «دلوني على السوق».
اليمن، حديقة الجزيرة الغناء ومروجها الخضراء، يبدو اليوم شاحباً أصفر الوجه ضعيف القوام لا يكاد يجد لقيمات يصلب بها عوده. اليمن، منبت البن وجنة الفواكه ومزرعة الحبوب وأرض الطيب والعطور ومنجم الثروات، يصبح اليوم عنواناً للجوع، يشحذ الطعام، ويبحث عن مياه غير ملوثة ويتغاضى عن تهريب أطفاله عبر الحدود لعلهم يكونون على موعد مع مستقبل لا يضطرون فيه إلى تقليب النفايات بحثاً عن لقمة والخوض في المستنقعات لإرواء العروق اليابسة.
حال اليمن يستعصي على العقول أن تصدق ما تراه من صوره، ويصعب على العواطف أن تتماسك حين تتفاعل مع أخباره، ويصعب على العيون أن تحقن فيض مآقيها ثم تقلب الصفحة عن مآسيه. تلك هي الأماكن عندما يتنكر لها الإنسان فيكون عبداً لتعاليم الشيطان وعدواً لذاته معذباً لنفسه بيده لا بيد غيره. فلم يكن ينقص دولة متكاملة العناصر مثل اليمن، لكي تعيد مجد الأولين، غير الإدارة الأمينة والإرادة المخلصة. وفي غياب هذين الشرطين حضرت الفتن وفجرت الأرض حمماً أكلت الأخضر ولم تدع يابساً يقتات منه الجوعى ليغالبوا جوعهم. واليوم فإن اليمن بحاجة بعد الإغاثة إلى من يأخذ على يديه ليضع قادته وفعالياته وقبائله أمام مسؤولياتهم، ليعلموا أن الإطعام لا يمكن أن ينتج الطعام.