[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

الحوثيون وإيران اختلاف المذهب واتفاق السياسة

الحديث عن الحركة الحوثية، حديث متداخل بين السياسة والمذهب، وتناولها بعيداً عن هذا التداخل يظل مبتوراً وخارج الإطار الطبيعي لفهم الحقيقة الكاملة، سواءً كانت حركة مذهبية ذات بُعد سياسي، أو حركة سياسية ذات بُعد مذهبي.

فمن ناحية المذهب: ينتمي الحوثيون إلى الطائفة الزيدية، نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمذهب الزيدي يحتوى على أربع فرق، أهمها الهادوية، والتي تشكل الأغلبية، تكتفي الهادوية بتفضيل الإمام علي على باقي الصحابة دون القدح فيهم.والحوثيون ينتمون في الأصل إلى الهادوية، نسبة إلى الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم المعروف بالهادي (245-298ه)، وهو من أحفاد الحسن بن علي.. ولد في المدينة ورحل إلى اليمن سنة 280ه، استقر في صعدة بدأ حركته الإصلاحية بالقضاء على الفرقة والاختلاف، حتى استطاع أن يحكم معظم أنحاء اليمن وجزءاً من الحجاز،استمر حكم اليمن بيد أولاد الهادي وذريته، حتى قيام الثورة اليمنية عام (1962م)، وهي أطول فترة حكم في التاريخ لآل البيت، حيث دام أحد عشر قرناً.

في إيران يسيطر المذهب (الإثنى عشرية) والمقصود بالإثنى عشرية هم أئمة الشيعة من نسل الحسين بن علي رضي الله عنه،ظهر جميع هؤلاء الأئمة حتى الإمام الحادي عشر، أما الإمام الثاني عشر (محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى المنتظر) فهو وفقاً لعقيدة الشيعة مولود في سامراء عام 255ه ، وهو حي منذ ولادته حتى الآن، يعرف مايجري في الكون، وسيظهر على الناس في الوقت الذي يراه هو مناسباً، وإلى أن يخرج، أوجد الخميني فكرة ولاية الفقيه كنائب عن الإمام الثاني عشر، في قيادة الأمة وإقامة حكم اللّه على الأرض، وتظل ولاية الفقيه قائمة حتى يخرج الإمام الثاني عشر ولا يجوز عندهم لأي إنسان أن يتولى الحكم إلا من يعينه الإمام الثاني عشر ولياً له، وبالتأكيد يجب أن يكون من نسل الحسين.

هنا يظهر الاختلاف بين الهادوية والإثنى عشرية، أو لنقل بين الحوثيين والإيرانيين، فالذي يستحق الحكم عند الاثنى عشرية هو من كان من نسل الحسين فقط،أما الهادوية فالولاية عندهم أوسع قليلاً، فهي لاتقتصر على نسل الحسين فقط،كما عند الإثنى عشرية، إنما وسعوها قليلاً، فهي لمن كان من نسل البطنين، أي الحسن والحسين، لأن الهادوية من نسل الحسن، لذلك اضطروا لتوسيع نطاق الولاية قليلاً.

السياسة قبل المذهب
ورغم هذا الاختلاف في المذهب بين الحوثيين والإيرانيين،إلا أنهما متفقان في المصالح والأجندة السياسية، لخدمة كل منهما الآخر.

هذه المصالح جعلت الحوثيين يقتربون أكثر باتجاه الجارودية،نسبة إلى أبي الجارود زياد بن المنذر الهمداني الأعمى الكوفي،وهي من غلاة فرق الزيدية،يعتمدون مذهب تكفير الصحابة،لأنهم تركوا بيعة علي بن أبي طالب فهم مخالفون النص الوارد فيه،كما عمل الحوثيون على الاقتراب أكثر من بعض المفاهيم الاثنى عشرية من خلال تدريس محمد بدر الدين الحوثي مادة عن الثورة الإيرانية في اتحاد الشباب والذي تم تأسيسه في 1986م، بعد ذلك تفرغ بدر الدين الحوثي وأبناؤه في القيام على تنظيم (الشباب المؤمن)، الذي تمكن من استقطاب الشباب والقبائل والوجاهات الاجتماعية في صعدة.

التمرد على المذهب الزيدي
بسبب فتوى تاريخية لعلماء الزيدية في اليمن، وعلى رأسهم المرجع (مجد الدين المؤيدي)، والتي تقضي أن شرط النسب الهاشمي للإمامة صار غير مقبولاً اليوم، فقد كان هذا لظروف تاريخية، وأن الشعب يمكن له أن يختار من هو جدير لحكمه دون شرط أن يكون من نسل الحسن أو الحسين رضي الله عنهما..اعترض بدر الدين الحوثي على هذه الفتوى بشدَّة،وبدأت تظهر مؤشرات خلاف بين علماء الزيدية وبين بدر الدين الحوثي، تطوَّر الخلاف أكثر واتسعت رقعته، حينها بدأ بدر الدين الحوثي، يدافع صراحة عن المذهب الاثني عشري، بل إنه أصدر كتابا بعنوان (الزيدية في اليمن)، يشرح فيه أوجه التقارب بين الزيدية والاثني عشرية؛ وبسب المقاومة الشديدة لفكره المنحرف عن الزيدية، اضطر إلى الهجرة إلى طهران حيث عاش هناك عدة سنوات.

في هذه الأثناء وبسبب نشر الأفكار المنحازة للمذهب الإثنى عشرية، من قبل أولاد الحوثي وعلى رأسهم (حسين بدر الدين الحوثى)، الأمر الذى أدى إلى تصدع في (منتدى الشباب)، والذى تحول إلى اسم آخر هو (تنظيم الشباب المؤمن) تحت زعامة (حسين بدر الدين الحوثي) على المنتدى ومعه (عبدالله عيضة الرزامي) و(عبد الرحيم الحمران)، بالإضافة إلى (محمد بدر الدين الحوثي)وتم إقصاء العلامة مجد الدِّين المؤيدي، والعلامة صلاح أحمد فليتة.

في الجانب الآخر تبنت إيران منذ قيام ما عرف ب«الثورة الإسلامية»مبدأ تصدير الثورة الشيعية إلى الوطن العربي والعالم الإسلامي، وقد شكلت الأرضية المذهبية (الهادوية) في اليمن محضناً خصباً لهذا التغلغل الشيعي خاصة بعد حرب الخليج الثانية وتدمير العراق،وبذلت الدبلوماسية والسفارة الإيرانية في صنعاء جهداً مكثفاً لاستقطاب أتباع المذهب الزيدي منذ عام 1990م، حيث توجهت الأنظار إلى اليمن كلاعب إقليمي ناشئ ومؤثر.

الحوثيون بوابة السيطرة على اليمن والخليج
وتحقيقاً للحلم الإيراني بإقامة إمبراطورية شيعية في العالم الإسلامي،وجد الإيرانيون في الحوثيين جسر عبور للتأثير في المنطقة وبوابة واسعة لتمرير الأفكار الإثنى عشرية في اليمن،وقد أظهرت الرحلات التي قام بها حسين بدر الحوثي إلى إيران في بداية أمره، في نجاح ذلك الاختيار، حيث قام الرجل ومنذ البدايات المبكرة له مع طهران في إدخال العديد من أفكار الإثنى عشرية إلى صعدة وإلحاق الثورة الإيرانية ضمن المناهج التي كانت تدرس في الحوزات العلمية.

حاولت إيران جاهدة العمل على تحقيق حلمها، واتخاذ الحوثيين جسر عبور لتسلل المذهب الإثنى عشرية في اليمن، وذلك من خلال:
1. إيفاد الطلاب اليمنيين إلى إيران بحجة الدراسة، لتقوم بصياغتهم صياغة جديدة، ليكونوا أصابع إيرانية إثنى عشرية، تخدش عقائد اليمنيين.
2. الدعم الإعلامي الإيراني الواضح للحوثيين، من خلال تبنِّي وسائل الإعلام الإيرانية كقناة (العالم) و(الكوثر) وغيرهما، لحرب الحوثيين مع السلطة اليمنية.
3. الدعم العسكري الإيراني للحوثيين، حيث أعلن مسؤول أمني في الحكومة اليمنية السابقة، أن الجيش اكتشف ستة مخازن للأسلحة المملوكة للحوثيين، وبعض الأسلحة المصنوعة في إيران، وتشمل المدافع الرشاشة والصواريخ قصيرة المدى والذخائر،كما أعلن في الفترة الماضية القبض على سفينة إيرانية في السواحل اليمنية محملة بالأسلحة والذخيرة كانت في طريقها إلى الحوثيين.
4. العثور على وثائق في المستشفى الإيراني في العاصمة، تدل على تورطها في عمليات تجسس ودعم مالي وعسكري للحوثيين،مما أدى إلى إغلاقه من قبل الحكومة.
5. مجموعات التجسس التي أعلن عنها الرئيس هادي في أكثر من مرة.
6. الدعم الإيراني للحراك الجنوبي من أجل زعزعة الاستقرار وإرباك حكومة التوافق لتسهيل سيطرة وتمدد نفوذ الحوثيين.
7. الرغبة الحوثية المتواصلة في السيطرة على ميناء ميدي الاستراتيجي في البحر الأحمر في محافظة حجة المحاذي للحدود مع السعودية، بطلب مباشر من قيادات الحرس الثوري الإيراني وفقاً لتصريح وزير في حكومة الوفاق اليمنية لصحيفة الوطن السعودية.
8. اعترافات بعض من أتباع الحوثي الذين استسلموا أثناء المواجهات، والذين أكّدوا قيامهم بالتدرب في معسكرات تابعة للحرس الثوري الإيراني مع عناصر فيلق بدر في العراق، فقد كان يتم إحضار أفراد من شيعة العراق ومن الحرس الثوري الإيراني للتدريب والإشراف على المناورات القتالية.

أمام هذه العلاقة الإيرانية الحوثية، على النظام اليمني كشف تفاصيل وخبايا تلك العلاقة، وعليه الإسراع في عملية توحيد الجيش من أجل بسط سيطرة ونفوذ الدولة على جميع أراضيها، كما عليه أيضاً تجريم أي ولاء أو ربط علاقات مع جهات أجنبية خارج نطاق الدستور والقانون.

أما الحوثيون فعليهم إدراك أن الدخول للسياسة من بوابة المذهب، نوع من الجهل بالواقع، واللاوعي السياسي بطبيعة المرحلة والدخول من بوابة إيران، نوع من الخيانة الوطنية والعمالة الخارجية، وهدر لدماء الشهداء وتضحيات الثوار.

زر الذهاب إلى الأعلى