آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

اليمن والدور الإيراني

ما زال أمام اليمن طريق طويلة ليقطعها لحسم معركته من أجل الوصول للانتقال السلمي للسلطة فينام قرير العين ينعم بالاستقرار، وذلك بسبب القوى الداخلية والخارجية التي تسعى دوما للتدخل في شؤونه الداخلية عبر بوابة استغلال الاضطرابات السياسية في البلاد، ويواجه الرئيس اليمني المؤقت عبد ربه منصور هادي، والذي تسلم السلطة في البلاد من خلال المبادرة التي رعتها دول مجلس التعاون الخليجي في 25 فبراير من هذا العام، حاليا تحديات مستمرة للخطر المحدق باليمن، والمتمثل في أطماع إيران في الشرق الأوسط.

ولقد ساءت علاقات اليمن وإيران، المتوترة أصلا، بعد اتهام الرئيس هادي السلطات الإيرانية بالعمل على زعزعة أمن بلاده بدعمها للحركات المسلحة والسياسية عن طريق تقديم المساعدات العسكرية والمالية لنشر الفوضى التي من شأنها أن تعرقل مزيدا من التقدم في البلاد. ومن ناحية أخرى، استدعت إيران القائم بأعمال السفارة اليمنية في طهران، وسلمته مذكرة احتجاج على اتهامات هادي واصفة إياها بأنها "لا أساس لها من الصحة"، كما نفت طهران في وقت لاحق هذه المزاعم قائلة إن مبتغاها هو استعادة الأمن والاستقرار في البلد الذي مزقته الحرب.

ومع ذلك، كشفت تداعيات الأحداث مؤخرا أن إيران قد لعبت دورا في دعم جماعات التمرد في اليمن، ففي الثامن من أكتوبر الجاري، كشفت قوى الأمن اليمنية شبكة تجسس يقودها إيرانيون دخلوا اليمن على أساس أنهم مستثمرون يرغبون في إنشاء مصنع في البلاد، وقد تم ضبط شبكة التجسس، والتي تضم في عضويتها أيضا سوريين ويمنيين، عقب قيامهم باستيراد أدوات ومعدات المصنع، وتبين أن هذه المعدات لم تكن لأغراض مدنية متعلقة بالمصنع وإنما لأغراض عسكرية، كما تم الكشف عن خمس شبكات تجسسية تعمل لصالح إيران وتم إحالة أعضائها إلى القضاء في وقت سابق، بينما ما زال أفراد شبكة التجسس التي تم اكتشافها مؤخرا رهن الاعتقال.

وكان هادي قد جدد دعوته للحكومة الإيرانية بعدم التدخل في شؤون بلاده الداخلية، مؤكداً أنها ستدفع الثمن إذا ما استمرت في التدخل، ومن جانبها، أكدت الولايات المتحدة أن إيران تدعم المتمردين الحوثيين الشيعة في شمال اليمن وأيضا الحركة الانفصالية في الجنوب والمعروفة باسم الحراك الجنوبي، في خطوة لبسط قاعدة نفوذها في دول شبه الجزيرة العربية، وبالإضافة إلى ذلك، قالت الولايات المتحدة أن الإيرانيين يقومون بتقديم العديد من المساعدات العسكرية للانفصاليين في اليمن من خلال التواصل مع عناصر في حزب الله في لبنان، وتخشى إدارة هادي من أن التدخلات الإيرانية ستدفع تنظيم القاعدة للتغلغل في اليمن مستفيدا من الوضع الأمني الهش السائد حاليا في البلاد.

ويعود السبب وراء تدخل إيران الإقليمي في المنطقة إلى رغبتها في تعزيز قبضتها على حلفائها البعيدين، حيث إن السقوط المرتقب لنظام الأسد في سوريا قد حدا بإيران إلى أن تحول اهتمامها باتجاه البحرين واليمن والقرن الإفريقي، لتأمين نفوذها في شبه الجزيرة العربية، إذ تسعى إيران لإيجاد موطئ قدم لها في تلك الدول التي يوجد فيها نسبة، ولو قليلة، من المواطنين الشيعة، كما هو الحال في اليمن.

وترى إيران في اليمن قاعدة انطلاق لتحقيق طموحها في الشرق الأوسط وما سواه، وبوضع يدها على اليمن، بتميز موقعه الاستراتيجي الواقع أسفل المملكة العربية السعودية - أكبر المنافسين لإيران في الخليج - وأحد المسيطرين على الممرات الملاحية الرئيسة في ساحل البحر الأحمر.

وسيظل اليمن ذو الأغلبية السنية بمثابة موطئ قدم لإيران التي يهيمن عليها الشيعة مما سيشكل تهديدا لأمن خصمها المذهبي، المملكة العربية السعودية، ودول عربية أخرى. وتسعى إيران جاهدة لتعميق نفوذها في الشرق الأوسط، وفي ذات الوقت فهي تعمل على الحيلولة دون أن يكون هناك أي دور أجنبي في المنطقة، وذلك لتمهيد الطريق لتصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى جميع أنحاء العالم، وبالتالي تشكيل المنطقة حسب قالب أفكارها الدينية.

وفي أعقاب الربيع العربي، وفي ظل عدم وجود مركز قوة في المنطقة، أصبحت إيران على مقربة من تحقيق هدفها المتمثل في الحصول على دعم الدول العربية المجاورة من خلال محاولتها السيطرة وفرض نفوذها على الدول المضطربة، وفي الوقت نفسه حماية مصالحها الخاصة المترسخة منذ القدم، وضمان أنه لن يكون هناك أي تدخل دولي من شأنه أن يهدد طموحاتها التوسعية.

واتضح جليا تدخل إيران المتزايد في المنطقة من خلال الفوضى في لبنان والعراق وسوريا، ناهيك عن اليمن، من خلال دعم أقليات محدودة ضد بقية الفئات الغالبة في البلاد، ما أدى إلى اشتباكات مدنية واسعة النطاق إضافة إلى العنف الطائفي. ففي سوريا، تقوم إيران بدعم الرئيس بشار الأسد والموالين له من خلال توفير المعدات التقنية والتدريب شبه العسكري لقوات الأمن السورية، وأفادت التقارير أيضا أن الإيرانيين قد قاموا بتوفير معدات إلكترونية حديثة إلى دمشق لعرقلة عمليات الوصول إلى الإنترنت، وذلك لحجب أخبار هجمات قوات الأسد وغاراتهم على الأبرياء، من التسرب إلى وسائل الإعلام الأجنبية، بالإضافة إلى أن إيران أيضا متهمة بالتنسيق مع المتظاهرين الشيعة في البحرين لإسقاط النظام الذي تربطه أواصر صلات عميقة مع المملكة العربية السعودية، وهكذا تطول قائمة تدخلات إيران في الشؤون الداخلية للدول المجاورة.

ورأت إيران في انتفاضات الربيع العربي في المنطقة فرصة مواتية لتوسيع انتشارها العسكري لحماية طموحها النووي، وحتى تنفذ - بحرية تامة - خطتها الرامية للمحافظة على النظام الإسلامي في الشرق الأوسط.

واعتبر المجتمع الدولي الدور الإيراني في تصعيد العنف في اليمن ودول عربية أخرى، على أنه تهديد عالمي لزعزعة الاستقرار في المنطقة، فإيران، الناشرة لتكنولوجيا الصواريخ الباليستية، قد نجحت في الوقت نفسه في تهديد الولايات المتحدة ببرامجها النووية المحتملة، وتخشى الولايات المتحدة من أن تقوم إيران بتحفيز حلفائها لتطوير أسلحة نووية من شأنها أن تعرض الأمن الإقليمي والقومي للخطر.

وشددت الولايات المتحدة، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، عقوباتها من خلال تقييد التجارة الخارجية لإيران بما في ذلك تصدير النفط الخام الإيراني، والخدمات المصرفية، وقطاعات الطاقة والتقنيات، للضغط على إيران بهدف الجلوس للتفاوض حول برنامجها النووي، وتحدت إيران التزاماتها الدولية من خلال تطوير أسلحتها النووية وزيادة قدراتها العسكرية لدعم بعض الطوائف في الدول العربية الهشة، بهدف الإبقاء على نار الخلافات وعدم الاستقرار.

قد يكون اليمن ما زال بعيدا عن خط النهاية، ولكن خطواته المتواضعة قد رفعت آمال العديد من اليمنيين بأن البلاد سوف تكون قادرة على إحراز التقدم في مجالات شتى بخطى ثابتة، وهناك احتمالات، في حال نجح الحوار الوطني، بأن يكون اليمن قادرا في النهاية على التغلب على الكثير من العوائق الداخلية والخارجية التي تقف حجر عثرة في طريقه نحو الانتقال السلمي للسلطة والإصلاح الشامل.

وفي الوقت الراهن، لا يزال اليمن في أمس الحاجة لتعزيز وتوحيد قواته العسكرية تزامنا مع تعزيز القطاع الاقتصادي، وسيساعد الحوار الوطني المرتقب، والذي سينعقد في شهر نوفمبر المقبل، اليمن على معالجة مشاكله المزمنة بما في ذلك قضايا نظام الحكم، والدستور، والأهم من ذلك كله قضية الأزمة الإنسانية. وسيقرر الحوار الوطني ما إذا كان اليمن على استعداد للتقدم خطوة أخرى إلى الأمام، أم سوف يسقط كليا إلى هاوية فشل الدولة. أما بالنسبة لإيران، فإن استمرارها في التدخل في الشؤون السياسية لليمن سيكون مجانبا للحكمة والصواب، حيث إن البلاد مدعومة بقوة الشباب اليمني العربي، وتماما مثلما أشار هادي، فإنه يجب على إيران أن تبقى بعيدا عن كل ما يتعلق بالشأن اليمني.

زر الذهاب إلى الأعلى