آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

على عتبة مؤتمر الحوار

أهداف كل الثورات اليمنية في التاريخ المعاصر مضافاً إليها طموحات وأهداف الحركة الوطنية اليمنية في الثمانين عاماً الفائتة ستكون المعيار الأول لتقييم مؤتمر الحوار المتوقع افتتاحه بداية ديسمبر القادم .

وهذه الفعالية الوطنية الكبرى قد تفتح باب المستقبل أمام اليمن وقد تفتح أبواب الجحيم، فيما لو هيمنت على الأطراف المعنية حمى الغلبة وفرض الرؤية الخاصة للجميع ضد الجميع ، فالحوار الوطني يهدف إلى إنجاز المشترك الوطني الذي يتجاوز الرؤى والمصالح الجزئية ويحققها في الصيغة الجامعة في آنٍ واحد.

وقد تضمنت المبادرة الخليجية وآليتها ، الوثيقتين المرجعية للمرحلة الانتقالية ومؤتمر الحوار ، تضمنتا المحدد المرجعي الوطني المشترك كإطار للحوار ونتائجه بنصهما على وحدة اليمن وأمنه واستقراره كإطار لأي صيغة يخرج بها المؤتمر ، وتحت هذا الإطار، ليبحث المؤتمرون وجميع الأطراف عن الصيغة المشتركة لشكل الدولة اليمنية ونظامها السياسي ، وليعيدوا صياغة الوحدة عبر دولتها المنتظرة في الدستور الجديد .

أن يخلص اليمنيون إلى التفريط بوحدة بلدهم بعد مائة عام من النضال الوطني، فتلك هي الكارثة الكبرى ، ولا يوازيها في النتائج الكارثية سوى بقاء هيمنة الهضبة القبلية المهيمنة تاريخياً والتي أدى تغول نخبتها الهاشمية ولاحقاً المشيخية إلى تشظيات فادحة في البنية الوطنية وجنت بغطرستها وتسلطها على الاندماج والتلاحم الوطني ، وأصابتهما بتشظيات وشروخ سيحتاج اليمنيون إلى وقت طويل للتعافي من تبعاتها.

ربما سيكون على الجميع التركيز في قضايا الحوار ومستقبل اليمن ، وهذا لا يتناقض مع استمرار المطالبة بتوحيد الجيش وفرض سيطرة السلطة الانتقالية المفوضة شعبياً على كل مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش والأمن.

وأكبر دعم لمؤتمر الحوار الوطني أن يتزامن انعقاده مع قرارات حاسمة تفرض التغيير الشامل في البنية القيادية العليا لوحدات الجيش في العاصمة صنعاء ، مثل هكذا قرار سيبعث الطمأنينة والثقة لدى الشارع اليمني عموماً والأطراف المتمنعة عن المشاركة في الحوار وتحديداً المكونات الحراكية في المحافظات الجنوبية .

يشبه الوضع في العاصمة صنعاء ذاك الذي كان سائداً أيام الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني حيث الجيش عبارة عن وحدات مجزأة في العاصمة لا تخضع لإرادة وطنية واحدة تستلهم مصلحة البلد وتحافظ على أمنه واستقراره.

والفرق بين الأمس واليوم أن لدينا ثورة شعبية سلمية قامت لاستعادة الدولة ومؤسساتها من يد الفرد والعائلة لتضعهما في الوضع الطبيعي لخدمة الإرادة الشعبية الجامعة والمصلحة العامة.

وما يدعو للقلق أن الأصوات المرتفعة الآن لا تتحدث عن الجيش كمؤسسة وطنية ينبغي توحيدها وهيكلتها ، وبدلاً من ذلك تذهب الحملات المشبوهة للتركيز على وحدات الجيش التي رفضت إطلاق النار على شباب الثورة ونزلت لحمايتهم والمرابطة معهم في الساحات وهي الخطوة التي حقنت دماء اليمنيين ومنعت مجانين السلطة من الذهاب بعيداً في قتل اليمنيين وتدمير بلدهم.

نحتاج جميعاً إلى دعم مؤتمر الحوار الوطني ورفع منسوب التوقعات بنجاحه في بلورة مشترك وطني جامع يؤسس الدولة الجديدة استناداً للإرادة الشعبية لا ضداً عليها ، دولة تقوم لتحقيق المصلحة العامة وأولويات المجتمع لا حرباً عليه وتضاداً مع مصلحته . والتركيز على التغيير في قيادة الجيش وتوحيده لا ينفصل بأي حال عن الاهتمام بمؤتمر الحوار وتعظيم فرص نجاحه إن لم يكن الضمانة الأكبر لنجاح الحوار ووجود الدولة ابتداءً قبل الحوار على شكلها ونظامها السياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى