آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

«مشرق بزعامة روسيا»

بداية الأحداث في سوريا كتبت هنا أنها مفترق لا بلد.. مفترق عربي ومفترق إقليمي ومفترق دولي. كل الدول التي نراها الآن في صورة الصراع حول سوريا، كانت موجودة في كل مرحلة.. إيران هي الإضافة الوحيدة والخطيرة.

أواخر الخمسينات عين اللواء عفيف البزري، اليساري المؤيد للشيوعيين، رئيسا لأركان الجيش السوري، فتحركت جميع القوى: الأسطول السادس والسوفيات واهتز الوضع السياسي في العراق والأردن ولبنان، كما هو اليوم، وكما هو اليوم، حشدت تركيا قواتها العسكرية على طول الحدود مع سوريا.

هوية سوريا السياسية لا تعني سوريا وحدها، ودائما كان نزاع أميركي - روسي حولها، ودائما كان جميع جيرانها يتحسبون لانعكاس صراعاتها عليهم. الآن ينادي الجنرال ميشال عون من كندا بشرق جديد بقيادة روسيا، كما خطب بذلك صهره، الوزير جبران باسيل. لعل في ذلك أول تفسير مباشر للدور الروسي، باعتبار أن عون يعبر عن مواقف دمشق.

إذن، «مشرق جديد»، مما يعني أن لا مكان للعروبة القديمة، كما يعني الإفساح في المجال مكانا لإيران، بعيدا عن الحملة عن «الفارسية». ويبدو أن زوال العروبة لم يعد يزعج أحدا؛ ففي مصر وصل خصومها إلى الحكم، وفي العراق صارت جزءا من المتحف المنكوب، وفي «جمهورية سوريا العربية» يكاد الإقليم الكردي يعلن انفصاله.

عندما قلت إن سوريا مفترق كنت مخطئا، لأنها في الحقيقة مجموعة مفترقات.. فيها بدأت حرارة الوحدة العربية، وفيها بدأت عدوى الانفصال.. فيها بدأ الشيوعيون ووصل «اللون الأحمر» إلى رمز الرأسمالية خالد بك العظم، وفيها بدأ زج الشيوعيين في السجون أو تحتها، كما حدث للشيوعي اللبناني فرج الله الحلو أيام السراج.

على الرغم من التغيير الأساسي الذي طرأ على المشهد، أي إضافة الدور الإيراني، فإن كل شيء الآن كما كان عام 1957: أميركا وروسيا وأوروبا والجوار العربي.. لكن روسيا الملحدة يومها بزعامة نيكيتا خروشوف هي اليوم من يطرح حماية المسيحيين الأرثوذكس من ضمن الأقليات. وكان بطريرك روسيا قد زار دمشق قبل أشهر.

من الصعب الأخذ بهذا النوع من الهموم في روسيا، والأرجح أن ما يدعو إليه عون من مشرق بزعامة موسكو هو الأرجح. مرة أخرى يختار الروس دمشق مركزا للمواجهة.

زر الذهاب إلى الأعلى