أيها العيد السعيد، هذه أمنياتي البائسات، أتمنى أن تتقلبها بكل رحابة صدر، وبصبرٍ قليلٍ منا. أتمنى أن لا تكون باهتاً في مواسمك القادمة ياعيدنا الباهي. أتمنى أن لا تعود إلا والابتسامة على شفاة كل الناس، أتمنى أن لا تكثر في زورك القبور، وأن لا تزداد مع حضرتك النسور، وأن لا تتعدد صور الشهداء، ولا تتع إلى صرخات المظالم، وأن لا تؤول الثورات إلى أسواق لبيع الضمائر وشراء الذمم. أتمنى أن تكون أنت - كما نحن في عينيك- على ما يرام.
أتمنى أن يتوقف باسندوة عن البكاء، أن "يتشورب" الرئيس هادي، وأن تودع قناة "اليمن اليوم" زعيمها، أن يطبق قانون العدالة الانتقالية على كل القضايا منذ أن تشكل اليمن الجمهوري، أن يجلس الحاخام يحيى يوسف على كرسي محافظ صعدة، وأن يتسلم محمد القيرعي حقيبة حقوق الإنسان، وأن يعين العميد باعوم قائداً للأركان، أن يعود المال الحضرمي إلى اليمن، أن يتسابق المسؤولون على زراعة أراضي تهامة دون أن ينهبوها، أن لا يكون وضع موظفي بيت هائل أسوأ من الموظفين الحكوميين.
أتمنى أن لا يسألني والدي وبنوع من السخرية، عن ماهية الثمار التي جنيتها من غربة ما يزيد عن عشر سنوات بصنعاء، أتمنى أن لا أزور قريتي ويجابهني أحدهم بسؤال إلى أين وصلت ثورتكم، أن لا يحرجني أحد أقاربي وهو يسأل أين تعمل ومتى ستتزوج، أن لا أسمع قصصا لانتهاكات سعودية بحق المغترب اليمني، أتمنى أن يرفع الجميع رؤوسهم حين يُسألون: أأنتم يمنانيون؟
أتمنى أن يبلغ حب السعودية لـ"بيت الأحمر" إلى الحد الذي تقرر استضافتهم جميعاً، من الآن وحتى فجر يوم القيامة. أتمنى أن يظهر عبدالملك الحوثي في بزة أفرنجية يخطب أمام كائنات من الجنسين ولا ترتدي أغلب هذه الكائنات ثياب الغبار. أتمنى أن لا أرى لحية الزنداني قط... لا في السلم ولا في الحرب، لا في الصدق ولا في الكذب، لا في الإكتشاف ولا في الالتفاف.
أتمنى أن لا ترى مشهداً في صنعاء يبعث على التقزز، أن لا تشاهد فضائية يمنية حكومية أو خاصة وتقول: لاحول ولا قوة إلا بالله، أن لا تقرأ صحفا محلية وتتأفف من رائحة الورق، أن لا تتابع موقعا أخباريا وتشعر بالغثيان، أن لا تعرف كل منظمات المجتمع المدني بأنها "دكاكين عائلية صغيرة"، أن تتخلى الفرق الموسيقية اليمنية عن آلة "الأورج"، أن لا يشارك منتخبنا الوطني لكرة القدم في بطولة الخليج من أجل المشاركة والاحتكاك، أن لا تنكفئ على صفحتك في الفيس بوك متحاشياً ضجيج المناكفات والشتائم فيما بين الزملاء، أن لا ترى سياسياً يقف على حافة "الجنون"، ولا عالماً عمامته الوحيدة الغباء، ولا ضابطاً شعاره الأسمى "قع أحمر عين"، ولا موظفاً حكومياً يتغيب عن الدوام، ولا شرطياً مقصرا في أداء مهامه، ولا قاضياً يفصل في قضايا الناس وفقاً لنوعية هداياهم، أو طبقاً لتفاوت درجات حرارة القات.
أتمنى أن تعود المنهوبات الجنوبية لأهلها، أن يرد بيت علي سالم البيض، أن لا يشعر أحد أبناء الحوطة أو ردفان بأن مظلوم، أن لا يستفز كل شمالي من كلمة "إنفصال" وهو ليس لدى أطفاله قوت العشاء، أن لا يحمل أخواننا في يافع أو الحبيلين بأي غبن تجاه كل ما هو "شمالي"، أن لا يعتقد ابن تعز أنه متساوٍ مع ابن أبين في الظلم، أن تتراجع طموحات الحضارم بالاستقلال لمفردهم، أن تعالج كل مسببات الدعوة إلى حراك تهامي، وأن يتوقف عبث المشائخ في ذي السفال وفي اللحية وفي خمر وفي العدين وفي الراهدة وفي وصاب، أن تتوقف نبرة المناطقية السلبية هذه، أن تتوحد اليمن روحاً وجسدا، أن يعم خير الوحدة كل اليمنيين، سواء كانوا في "ديس" حضرموت أو في "حيس" الحديدة، أن تستعيد عدن عافيتها الحضارية، أن يتفوق ميناؤها على ميناء دبي، وأن يعود حضنها دافئاً لكل الجنسيات والديانات والأغاني والفنون.
أتمنى أن ترتقي طموحات اليمنيين الحياتية، أن لا يكون القوت اليومي هو الهم، وأن لا تكون الوظيفة هي الحلم، وأن لا يحسب اقتناء السيارة على أنه إنجاز تأريخي، أن لا يرتعب محدودو الدخل من المؤجر كلما طرق الباب، أن تبنى خمسة مليون وحدة سكنية في كل اليمن بغضون سنتين، أن يعلو سقف الأمنيات، وأن تتسامى الهمم، تتصافى القلوب، وتتسابق الضمائر على احتواء الوطنية، أن تتعاضد سواعد اليمنيين من أجل يمنهم، تتعابق أنفاسهم بالأخلاق وبالأخوة والحكمة، وأن تتعثر حيل المناكفات، وأن لا يعود أحد من السياسيين اليمنيين يعتقد جازماً، أن السياسة هي فن الكذب فقط، أن أعايش أحزاباً يمنية عظيمة على غرار الحزب الشيوعي الصيني أو الحزب الديمقراطي الأمريكي، أو حزب العدالة والتنمية التركي.
أن أطبع على خد حبيبتي قبلة ونحن لصيقان كعاشقين مراهقين، ونتنادم تحت إحدى أشجار الزيتون في حديقة لمنتجع يقوم مكان مقر الفرقة الأولى مدرع، أن أنصح كل من تهوى الرقص بأن تتجه إلى أكبر المعاهد المتخصصة في تعليم وتطوير فنون الرقص العالمي، حيث يوجد بمنطقة "الصباحة"؛ مقر معسكر الحرس الجمهوري سابقاً، أن يتغير اسم الحصبة وتتبدل رمزيته، أن يقام أكبر مسرح فني وثقافي على أنقاض بيت الشايف، وأن يكون بيت الأحمر علامة قديمة لأكبر دور سينما في اليمن، أن يتحول اسم جامعة الإيمان إلى جامعة الحكمة، أن تصدر الأطباء والصيادلة، وأن تخرج المخترعين والعباقرة، وأن يحل محل مركز بدر معملاً كبيراً لحياكة الألبسة الشتوية.