إن صحت الأنباء التي تناقلتها وسائل إعلامية كثيرة، حول ضرب طائرة أمريكية بدون طيار، اليوم، مناطق في "سنحان" القريبة من العاصمة صنعاء، مسقط الرئيس السابق؛ فإن ذلك يشي بجملة من الرسائل الخطيرة على الوضع الحالي الذي يتفاعل فيه الكثير من الأضداد السياسية والفكرية والاجتماعية.
أولى هذه الرسائل: أن الصداقات والعلاقات الأمريكية التي كانت وثيقة وحميمة مع حليفها السابق في السلطة؛ أضحت في حكم المحتضر، من وجهة نظر صانع القرار الأمريكي الذي لا يهمه دوام تلك العلاقة الحسنة؛ لأنها باتت منتهية الصلاحية، بقدر ما يهمه تحقيق مصلحة التراب الأمريكي ومواطنيه.
وثاني تلك الرسائل، لمن يفهم لغة الرياضيات: التذكير بمجموعة حلول متراجحة: "العصا والجزَرة".. وأن أول خطوة في الحل؛ أن كلا الطرفين في-هذه المتراجحة- يمكن يساويا-مجتمِعين- بالصفر، وعلى هذا يجب أن تفهم كل العناصر على يمين المتراجحة اليمنية أو يسارها، مجموعة الحلول الممكنة!!
وثالث رسالة يقرؤها المتابع البسيط: أن الحرب على الإرهاب لا تعرف الجغرافيا، ولا البروتوكولات، ولا تغيُّر الرؤساء الأمريكيين أو استئناف انتخابهم لحكم الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى، فالأمر على توالٍ لا انقطاع له، وإن انقطع ذلك الإرهاب أو افتضحت ذرائع ملاحقته.
في الأسبوع الماضي، ضرب الطيران الأمريكي -بدون طيار- مواقع في كتاف، بصعدة، رُجحت أنها لخلايا قاعدية تنشط في أودية تلك المناطق المترامية الأطراف، والتي تمثل عنق اتصال هام بين مناطق أقاصي الشمال ومدن الشرق الصحراوية اليمنية.. وبين محلل ومفسر لما جرى هناك، خرج الجميع بحثالة الحادثة، وضاع معها جوهرها، ألا وهو : سيادة التراب اليمني.. تلك الحثالة هي: من يا ترى ساعد على تحقيق وتمرير وتصويب تلك الضربة؟ هل هم رجال الحكومة الحالية؟ أم هل هم جماعة الحوثيين الذين يحكمون القبضة على تلك المناطق؟ أم هي عناصر أخرى لها في هذا الشأن محصول سياسي معلوم؟
إن العلاقة بين الضربتين- ضربة كتاف وضربة سنحان- تسترعي التذكير بأن أشهر المواقع التي كانت ميدانا لصواريخ هذه الطائرات، هي المربع القاعدي: شبوة، أبين، مأرب، والجوف، وأنه كثر اللغط حول عدم استهداف هذه الطائرات لمناطق من ينادون بالموت لأمريكا، ويلعنون من كل منبر ديني وإعلامي أقوى جماعات الضغط فيها؛ رجال الحركة الصهيونية التي تدير ثلاثة أرباع مفردات السياسة الأمريكية!!
برأيي المتواضع؛ فإن أي ضربة من هذا النوع، تقول بصوت وقح وواضح النبرة، وبمنطوق المثل اليمني الشهير: "إضرب الوطاف؛ يفهم الحمار" !! ومع حزني على كلا الوطافين في هاتين الواقعتين؛ لأنهما جزء غال من تراب وطني المنهك من قِبل بنيه؛ فإن على كل مقصود بالضرب أن يعي هذا الفعل وأبعاده، وأن يعي أن الحريق قد بلغ أطراف الحصيرة.
إن القوى الخبيثة التي تحاول أن تجر اليمن إلى معترك دموي طويل، لا مغلوب فيه ولا منتصر؛ لن تربح مطلقا، ولن ينتصر مشروعها، ولن يخدم ذلك أمن واستقرار هذا البلد ودول الجوار المحيطة به أو القريبة منه، وأن السقف سيخر علي رؤوس الجميع؛ ولذلك فليعتبر كل معتبر.
إن أول غاية للقوى الغربية في هذا الموقع الجغرافي الحساس، وفي هذه الظروف الدقيقة التي عصفت بأقوى أنظمة المنطقة الجمهورية، هو أن يكون لها حضور ذكي، وأقول "ذكيٌّ" كذكاء طائراتها التي تطير دون طيار، ولا يهما أن يكون هذا الحضور -الآن- مجحفلا أو مُمَكننا، بالقدر الذي يشي بالاحتلال، لكنها تبحث عن حليف أصم وأعمى يمكنها من موطئ قدم أول، ثم تلقي بذلك الحليف في اليم الذي تتربع على شاطئه!!