[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

أيها الحاكم... والفصاحة ضرورة أيضا!!

العلم، والعدل، والكفاية، وسلامة الأعضاء والحواس، هي شروط شرعية لكل طامح لمنصب حكم الأمة وتسيير أمورها المختلفة، وكذلك القوة، والأمانة، والشجاعة، والحكمة، والأناة، هي بعض من تلك الصفات الأخرى التي يجب أن يتحلى بها، أما عند الزيدية، فتتجاوز شروط الإمامة لديهم عدد أصابع اليدين معا.

لكن، ماذا عن الفصاحة واللباقة؟ إنها عُدة وسحر كل حاكم أو قائد أو زعيم..!!

عندما تعرض يوليوس قيصر لطعنة غادرة من صديقه ومساعده بروتوس، وهو تحت قبة البرلمان الروماني يتهيأ لاستلام العرش؛ استدار وسيفه في يمينه، فلم يجد أمضى من ذلك السيف -وقد أيقن سقوطه من يده- سوى الكلمة، هذه الكلمة كانت أقوى من أي قوة، وأمضى من كل سلاح، فقالها وما تزال تردد في كل لحظة عتاب لصديق غادر: "حتى أنت يا بروتوس!!"

لقد ألهبت هذه العبارة مشاعر محبي القيصر، وأججت جمر تأسفهم عليه؛ فهبوا للانتقام من بروتوس ورفيقه كاسيوس، فكان الرد بنفس السلاح؛ ولذلك نجا بروتوس من غضبة تلك الجماهير.

مواقف كثيرة يحكيها لنا التاريخ، أيّا كان نوع هذا التاريخ ومكان أحداثه وتاريخها، أن الكلمة تتجاوز بكثير أثر كل سلاح!! لقد قال الخليفة أبو بكر الصديق-رضي الله عنه والقوم في هرج ومرج من هول ما سمعوه عن نبأ وفاة الرسول الكريم محمد-صلى الله عليه وسلم- وقد أنكروا حدوث ذلك اندهاشا: "من كان يعبد محمدا، فمحمد قد مات؛ ومن كان يعبد الله؛ فإن الله حيّ لا يموت".. وكأن شيئا -قبل هذا القول- لم يكن!!

ينبغي على كل حاكم أو قائد أو زعيم أن يكون لبقا، ومفوّها، وأن يأسر بكلامه ألباب الجماهير وأفئدتهم، كما انه ليس عيبا أن يمضي كل مقصر من هؤلاء في استدراك ما فاتهم من هذه الأمور الضرورية؛ لأنهم دائما محل رصد لكل كلمة يقولونها، ولعلهم سيكونون في موضع التندر إن أمعنوا في ذلك التلكؤ ولم يتخلصوا من عثرات ألسنهم.

كم يذكرنا الحجاج-هنا- بمدى أثر الفصاحة، وكم تذكرنا خطبته التي أسقطت أنوف الشامخين المتهيئين للاستهزاء به في مدينة عراقية استعصت علي كل جبار، فقال قولته المعروفة:" إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها..."

وكم تذكرنا أبيات ابن أبي ربيعة :
ليت هندا أنجزتنا ما تعد -- وشفت أنفسنا مما نجد
واستبدت مرة واحدة -- إنما العجز من لا يستبد
نعم.. كم تذكرنا هذه الأبيات بأثر البلاغة والفصاحة.. فحين كان الرشيد قد استبد به البرامكة، واستأثروا بقراراته، وسمع هذه الأبيات مصادفة أو تبييتا من قبل من ضاقوا بفعال أولئك؛ نكب بهم شر نكبة!!

وأخيرا، سأتوقف ولن أسترسل في سرد الكثير من العبارات والمقولات التي ألهبت حماس الجيوش أو الجماهير أو الأنصار؛ فتغيرت الأحوال والمواقف، وأخذت تُردد على كل لسان، في كل عصر ومصر، غير أن ما يهمنا هنا، هو أن نذكّر بقيمة الكلمة وأثرها، ومدى ما يجب أن يكون عليه القادة أو الزعماء من طلاقة لسان وغزارة ثقافة.. وقد قيل: رُبّ كلمة أبلغ من سيف.

زر الذهاب إلى الأعلى