الحوار الوطني هو صيغة عمل سياسي تلجأ إليه البلدان الانتقالية للعبور من ضفة وضع برهنت الأحوال العامة بتجلياتها المختلفة أنه خاطئ ومأزوم ولا مستقر وجائر إلى ضفة الوضع الأكثر صوابا ورشدا وعدلا وملائمة ومعقولية.
يمكن اعتباره خشبة عبور ممتدة فوق هاوية. ولهذا من شأن الحمولات الزائدة أن تكسر هذا الممر الضعيف المحدود الوظيفة والقدرة. للحوار الوطني مهمة تأسيسية تتفاعل كل معطياتها ومساراتها وعناصرها وتهضم في وثيقة اجتماعية جديدة (الدستور) بما في ذلك شكل الدولة ونوع النظام السياسي وترتيب دستوري للقوات المسلحة وحتى شكل النظام الانتخابي، وكل الاشياء التي تتطلب تضمينا في هذه الوثيقة.
الدلائل تشير إلى أن هناك من يرغب في أن يشحن ميراث كل العصور في عبوات وحاويات اعتباطية ورصها فوق خشبة من المرجح أن قدرتها قد تخونها وتنكسر من المنتصف ويتداعى كل شيء.
لا يمكن أن تنوب هيئات الحوار الوطني في اليمن عن الوظائف التقليدية العادية لما تبقى من دولة. الحوار وظيفته استكشاف ارضية وطنية مشتركة تعبر عن نفسها في نهاية المطاف بالوثيقة الدستورية التي تحال إلى الشعب ليقول كلمته.
هذه الوظيفة مستقاة من روح المبادرة الخليجية وآليتها التي تعكس في محصلتها رؤية سياسية للمسألة اليمنية مفاده أن القضية الجنوبية وقضية صعدة وأزمة الحكم هي تجليات لخلل بنيوي في شكل الدولة وعدم صلاحية النظام السياسي والنظام الانتخابي.
وهذه الرؤية كانت محور خلاف المشترك مع حكم صالح وحزب المؤتمر.
قضية صعدة مثلا ما هي؟ لن نصل إلى تعريف موحد، لكنها في معناها البسيط مضاعفات حرب ألحقت خسائر في الارواح والممتلكات وتسببت في شروخ اجتماعية وضغائن ومشهد مأساوي يمتد على كامل صعدة ومحيطها.
إذن بهذا التعريف، فمعالجة آثارها لا يحتاج وضعا دستوريا، ولا ممثِّلا عنها، فمعالجة آثار الحرب وإعادة الاعمار وظيفة تقليدية تقع على عاتق الدولة، وبالتالي الاولوية هي لدراسة وتقدير الخسائر ووضع سياسات تنفيذية وترتيبات يفترض بحكومة الوفاق القيام بها.
لكن ما هو التعبير السياسي لقضية صعدة؟ الحوثية. إذن الحوثية هي تجسيد لنقص في كفاءة النظام السياسي بخصوص استيعاب ما يمثله الحوثي ليتسنى له فرصة المشاركة السياسية كغيره في ظل شروط عادلة.
بهذا المعنى تصبح معالجة الحوثية ضمن رؤية جديدة إذا اقتضى الحال، لشكل النظام السياسي وأنساقه، وشكل الدولة وكلها تعالج في الوثيقة الدستورية.