إن ما يحدث -اليوم- في الضالع، هو نتيجة متوقعة للشحن والتحريض العنصري المناطقي الممارس ضد وحدات الجيش والأمن المتواجدة في محافظات الشرق والجنوب، بقصد الاستدراج الممنهج إلى مواجهات مسلحة عنيفة طويلة المدى معه، وفق ما يخطَّط ويمَّون له من قبل الداعين إلى مثل هذا الوضع، سواء في جماعات الحراك ذاتها، أو من يؤيدها ويدعمها في الداخل والخارج، على أن بعض فصائل الحراك الأخرى، تدرك مخاطر هذا التوجه، لكنها تبدو-في الوقت ذاته- في موقف حرج مما يصدر من أعمال عسكرية من قبل وحدات الجيش والأمن وإن جاءت بدواعي الدفاع عن نفسها أو عن الأمن القومي.
لكن، ماذا يعني هذا كله؟ إنه يعني بكل وضوح: أن الممولين- أيا كانوا- يحاولون دفع أطراف في الحراك إلى فتح جبهة مسلحة في مناطق الجنوب والشرق، تمهيدا لفتح جبهات مواجَهة مماثلة في شمال الشمال، بعد أن أوصدت الحكومة الكثير من منافذ دعمهم، ووُضعت قوى الحراك هذه -من قبل رعاة عملية الانتقال السلمي للسلطة- أمام خيار الحوار الذي اقتربت أيامه، فكان مسعاهم هذا، عملية استباقية لقفل فكي الكماشة في شمال الشمال وفي الجنوب والشرق، لإحباط أي مسعى يخرج اليمن من أزمتها الراهنة تحت مظلة الوحدة، بل والدفع بها إلى ساحة التمزق والانفصال.
إن سقوط منطقة الضالع بأيدي فصائل الحراك المسلح، سيجعل المستقبل الوحدوي لليمن في وضع أكثر تعقيدا وخطرا، وهو ما يعني: حصول الحراكيين-وإن كانوا منقسمين على أنفسهم- على مناطق محررة، بسيادة تقترب من الكاملة؛ فتتحول المواجهات المسلحة معهم، من مدلولات التمرد على السلطة القائمة، إلى ما يوصف بحالة الحرب الأهلية، وما يتبع ذلك من عواقب سياسية غير مرغوبة للسلطة في صنعاء، ومعها سيسعى أولئك لأن تكون الضالع منطقة عازلة -تماما- بين العاصمة المركزية للدولة(صنعاء) وبين منفذها البحري الهام على خليج عدن.
يترتب على ذلك كله، ضمان تدفق الإمدادات اللوجستية القادمة من البحر، بما يقوي موقف صمود الحراك المسلح، وإتاحة المجال لفصائله المسلحة، لقيادة وإدارة عمليات مسلحة نشطة وتطويرها على هذه الأرض، ضد السلطة في صنعاء، فتتعطل معها العملية السياسية المؤطرة بالمبادرة الخليجية، وقد يؤول الحال-في شرع الواقع- إلى تقسيم اليمن إلى أربع مناطق حكم مستقلة، أو إلى ثلاث مناطق- على أقل تقدير- في الشمال، والوسط، والجنوب.
ما هو المطلوب إذن؟ إن على القيادة السياسية الحالية، التعجيل بإفراغ الوضع المتأزم في منطقة الضالع من احتقاناته، وإيجاد حلول ناجعة للتهدئة الدائمة، ومعالجة آثار ما حصل بإنصاف، والتعامل الذكي مع الأطراف والشخصيات الاجتماعية التي تنفخ في النار المضطرمة هناك، والبدء السريع في مؤتمر الحوار الوطني وعدم تأجيل موعده، ورفض كل دعاوى التمديد للمرحلة الانتقالية- علي الأقل في المرحلة الراهنة- بما يضمن استقرار البلاد والنأي بها عند ساحة الحرب التي تدفع إليها من قبل أطراف تنتظر هذا اللحظة بكل شغف وخبث!!
*باحث في شئون النزاعات المسلحة