إن الأزمة السياسية التي نشبت في بلادنا العزيزة اليمن خلال الفترة الماضية قد أفرزت تداعيات و مواقف متناقضة كل التناقض أو الاختلاف, سواء كانت هذه التداعيات أو المواقف داخلية أو خارجية. ومن حسن حظنا كيمنيين أن الله سبحانه وتع إلى جلت قدرته لم يجمع علينا في هذه الأزمة أو المصيبة عُسرين في آن واحد. فمن ضمن ما أفرزته الأزمة السياسية في الجانب السلبي منها هو عقوق وعصيان بعض القوى السياسية لله وللوطن وللشعب والتي تؤكدّ أنها مرتهنة للخارج وتعمل وفقاً للأجندات الخارجية.
وهذا هو ما أسميته بخيانة الداخل أو (نتانة الداخل). لكن إلى جانب هذا الوجه السلبي للأزمة, هناك وجه آخر وهو من تجليات رحمة الله بنا أن جاء الموازن أو المعادل لنتانة وخيانة بعض نخب الداخل (نظافة وسمو الخارج) أو (وطنية الخارج).
ففي الوقت الذي تجلى فيه خبث وخيانة البعض ممنّ يحملون جنسية هذا البلد نحو وطنهم كأبشع ما تكون الخيانة والخبث والارتهان للخارج, حيث وصل بهم الحال هؤلاء المرتزقة والعملاء إلى أن ينطقوا بكلمة الكفر ويقولون إنهم ليسوا يمنيين وان أمر اليمن لا يعنيهم. وهم بهذا القول كمن ينفي انتسابه لأبيه ولن أقول أكثر من هذا.
نجد بالمقابل وطنيي الخارج كالسفير الروسي في صنعاء يعطينا دروساً في الوطنية وحب اليمن عندما يقول إن وحدة اليمن خط احمر وإنّ أي حلول تطرح لحل المشاكل الراهنة في وطننا يجب أن تكون تحت سقف وحدة اليمن الاندماجية القائمة.
وكذلك فعل السفير التركي في صنعاء من قبله عندما قال نفس الكلام وبنفس المعنى والمضمون.
وكذلك فعلت ممثلة السوق الأوربية المشتركة عندما قالت إنها تسمع كلاماً غريبا في اليمن مفاده أن التشرذم والانقسام والانفصال هو الحل لمشاكل اليمن, وهذا غير صحيح بالمرة. والصحيح من وجهة نظرها هو أن الاجتماع والاندماج والتوحد والتعاون هو الحل الصحيح لمشاكل اليمن.. وكذلك فعلت دول الخليج العربي الست (السعودية – الكويت – الإمارات – البحرين – عُمان – قطر) عندما تبنت موقفاً واضحاً مؤيداً ومسانداً لوحدة اليمن وجعلتها الأساس الأول لأي حلول تُقترح لمشاكل اليمن إلى جانب إظهار حرصها الشديد على أمن واستقرار اليمن.
وكذلك الموقف الدولي المساند لليمن و وحدته وأمنه واستقراره والذي تجلى في إجماع مجلس الأمن الدولي في قراريه رقم (2014 ) و (2051) واللذين وضعا الوحدة الوطنية الاندماجية القائمة على أنها الأساس الأول والسقف الذي يجب أن يحكم ويعلو على أي حلول مقترحة للمشاكل في اليمن.
ولم يشذ على قاعدة ( وطنية وسمو الخارج ) إلا دولة مارقة واحدة هي (إيران الرذيلة).
وأنا أتساءل لو أن الله سبحانه وتع إلى جلت قدرته ( وحاشاه أن يفعل ذلك ) جمع علينا مصيبتين أو عُسرين في آن واحد. فلو اجتمعت مثلا نتانة الخارج إلى جانب نتانة الداخل وهي كثيرة ولها أكثر من وجه, كيف كان سيكون مصير وطننا وشعبنا ؟ لكن رحمة الله أبت ذلك. فحمداً لله وشكراً له على هذه الرحمة التي شِمل بها وطننا وشعبنا حينما لم يجمع علينا (خبث ونتانة الخارج) مع (خبث ونتانة وخيانة بعض نخب الداخل). وعلى اليمانيين أن يسجدوا لله شكراً على رحمته بنا وبوطننا العزيز اليمن.
أّما (خبث ونتانة بعض نخب الداخل) التي تجلت في المواقف الخيانية لهم بعقوقهم لله وللوطن والشعب, فشعبنا قادر بعون من الله أن يدوس على مثل هؤلاء ويمضي في طريقه. طريق التوحد والاندماج وبناء الدولة اليمنية الحديثة, دولة النظام والقانون ودولة المؤسسات, دولة الحكم الرشيد , دولة المساواة والعدالة والحرية, دولة المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية في السلطة والثروة, دولة تحمي الحقوق الخاصة ويكون فيها الضعيف قوياً حتى يؤخذ الحق له ويكون القوي فيها ضعيفاً حتى يؤخذ الحق منه, دولة يسودها النظام وتختفي منها الهمجية والفوضى, دولة تعيد الحقوق المسلوبة لأصحابها وترفع فيها كل المظالم, دولة تجبر الضرر الناتج عن الممارسات السيئة لأصحاب الجشع والطمع وعديمي الشعور بالمسؤولية والسّراق واللصوص والحرامية, دولة يتساوى فيها الناس في الحقوق والواجبات العامة, دولة تقضي على الفتن وتحقق الأمن والاستقرار في ربوع الوطن, دولة تحقق التنمية المتوازنة في كل المناطق (في الصحارى والجبال والوديان والمدن) وفي مختلف القطاعات. دولة ينعم المواطن في ظلها بالأمن والعدل والفرص المتساوية للجميع. دولة تحافظ على المنجزات الوطنية وتصونها وتمنع المساس بها, دولة تحافظ على الثوابت الوطنية المتمثلة في (الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر المجيدتين ومبادئهما) و (النظام الجمهوري) و (الوحدة الوطنية) و (الديمقراطية) و(الإسلام كعقيدة وشريعة), دولة يسود فيها النهج الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة, دولة يكون فيها الشعب مصدر كل السلطات, دولة يختار فيها الشعب حكامه بنفسه وتكون له القدرة على محاسبتهم وعزلهم وإيصال غيرهم إلى كرسي السلطة, دولة تسمح بحرية الصحافة وإبداء الرأي دون المساس بثوابت الوطن ومنجزاته, دولة تصون ولا تبدد وتحمي ولا تفرط في امن واستقرار وسيادة واستقلال الوطن, دولة تحمي الحقوق الخاصة والعامة على حد سواء دون نظر ٍ لنسبٍ أو لونٍ أو جاهٍ أو حسبٍ, دولة تعلي راية العدل وسيادة القانون فوق الجميع, دولة تحقق على أرض الواقع كامل أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين, دولة تعيد للقطاع العام والمختلط والتعاوني الفاعلية والاعتبار وتستعيد ممتلكاتها وتجعلها القطاعات الرائدة والموجهة للاقتصاد الوطني, دولة تنمي القطاع الخاص المنتج وتمنع الاحتكار والغش والجمع بين السلطة والتجارة, دولة تزيل مخلفات الإمامة والاستعمار وتربي جيلا وطنياً مؤمناً ومسلحاً بالعلم والأخلاق والقيم النبيلة, دولة توحد التعليم العام منهجاً وإدارة وتمنع وقوع الشباب فريسةً للدجالين والمشعوذين والكهنة, دولة تعيد ماضي اليمن التليد والعريق والمزدهر والمشرق, دولة يكون فيها الحكاّم خداماً للشعب والوطن لا أسياداً عليه. هذه هي الدولة التي نسعى لبنائها في الحاضر والمستقبل وننشد تشييد مداميكها وأركانها وبنيانها بتعاون جميع القوى الخيرة في اليمن السعيد.
وختاماً, إن وحدة اليمن الاندماجية القائمة هي هبة إلهية من الله سبحانه وتع إلى بعد شتات طويل عانى منه الشعب اليمني وتعرض خلال ذلك الشتات والانقسام والتشرذم لكل صنوف العذاب والحرمان والاقتتال وانعدام الأمن والاستقرار وتوقف مسيرة الحياة والتطور والاندفاع إلى الأمام, حتى أذن الله بإعادة تحقيق الوحدة (وحدة الأرض والشعب والحكم) والتي تؤكد حقائق التاريخ ومعطياته أن اليمن عبر تاريخها الطويل لم تنعم بالأمن والاستقرار والتقدم والرقي والتحضر إلا في ظل وحدتها الكاملة للأرض والشعب والحكم.
فلنعض على وحدتنا بالنواجذ ولنقطع كل يدٍ تحاول النيل منها أو المساس بها . والله ناصرنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.