يشكل الحوار قيمة إنسانية راقية حيث يساعد على تقارب وجهات النظر بناء على إبراز الحجة الأقوى لدى المتحاورين ، وللحوار الناجح شروطه الموضوعية المنطلقة من أهداف الحوار ومكوناته وشركاؤه ، وكوننا في الجمهورية اليمنية بصدد الإعداد لمؤتمر الحوار الوطني المرتقب مطلع2013م ، فإن كاتب هذه الأسطر يود الإسهام بوجهة نظر يعتقد أنها أساسية لنجاح المؤتمر بإذن الله.
إن مراجعة تاريخية بسيطة لما بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر وحتى الآن ستُبين أن تجارب الحوار السابقة لم تكن محققة للآمال الشعبية لأنها عقدت بين أطراف نافذة موغلة في الفساد ونهب المال العام وبتدخل أطراف خارجية لديها قائمة من الأهداف الاستراتيجية لبلدانها ، وبالتالي شكلت الحوارات السابقة بين مراكز النفوذ الداخلية وبتوجيه من قوى خارجية أبرز أسباب فشل تلك الحوارات لأنها ابتعدت عن مقاصدها الشعبية.
إن مقدمات الحوار الوطني الراهن في الجمهورية اليمنية إن استمرت وفق ما تسير عليه الآن ودون مرجعية شعبية فإن ممكنات النجاح ضئيلة جداً ، ومع أن كاتب هذه الأسطر ضد التشاؤم ، إلا أن المقدمات تعطي مؤشر للنهايات ، تلك المقدمات بدأت بتشكيل لجنة الحوار الوطني المحصورة في عدد محدود من التيارات الوطنية والتي يتقاضى كل عضو فيها خمسون الف ريال عن كل جلسة وذلك المبلغ يساوي راتب خمسة أسابيع لأحد المعينين الجدد من خريجي الجامعات ، والأصل في هذه اللجنة أنها تمارس مهمة وطنية تفوق الجوانب المادية ، لذا كان المفترض أن يفرغ هؤلاء من وظائفهم الرسمية في جهاز الدولة ويكلفوا بهذه المهمة الوطنية الكبيرة دون تلك المبالغ والامتيازات ، فيكفيهم أنهم يرسمون حاضر ومستقبل وطنهم ، أما وأن اللجنة ومن ثم المتحاورون تُعتمد لهم تلك المبالغ فإن الصراع على المشاركة في مؤتمر الحوار ولجانه سيبلغ ذروته داخل الجهات المشاركة في الحوار من أحزاب وغيرها بغية الحصول على المكافآت المادية والمعنوية ، بل من المؤسف أن غالبية المبالغ المرصودة تأتي عبر التمويل الخارجي وذلك دون شك سيكون له الأثر السلبي على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ، لذا ندعو إلى اعتماد مؤتمر الحوار الوطني على التمويل الوطني الذاتي لتلبية بعض الاحتياجات الهامة مثل المطبوعات الإعلامية وبدل الانتقال من المحافظات والاستضافة وغيرها ، وجعل الحضور والمشاركة واجب وطني بدون أجر ، ونأمل أيضاً أن يسري ذلك على لجنة الحوار.
إن مؤتمر الحوار اسمه مؤتمر الحوار الوطني وبالتالي يجب أن يشمل كل أبناء الوطن دون إقصاء أو تهميش ، أما أن يقتصر على النخب السياسية والاجتماعية فإنه سيتحول إلى مؤتمر حوار فئوي ، سيقول البعض هذا كلام غير واقعي فهل من الممكن أن نشرك أكثر من 24مليون فرد في مؤتمر الحوار الوطني ، نقول أن البدائل عديدة للبحث عن صيغة مناسبة لمشاركة الشعب على نطاق واسع من خلال طرح محاور مؤتمر الحوار الوطني على مجالس حوار تنشأ على مستوى المديريات والمحافظات خلال فترة زمنية محددة يضاف إليهم ممثلين عن المغتربين اليمنيين من خلال مؤتمرات حوار الجاليات اليمنية في الخارج ، ومن ثم تنتخب تلك اللجان من الداخل والخارج من ينقل وجهات نظرها ويمثلها في مؤتمر الحوار الوطني ، وبعد انتهاء مؤتمر الحوار يتم طرح ما تمخض عنه للاستفتاء الشعبي ، وبذلك نكون قد أشركنا القواعد الشعبية في طرح وجهة نظرها في الموضوعات المناقشة في مؤتمر الحوار واشركناها في الموافقة على ما خرج به المؤتمر ، سيقول البعض وهل هناك فرق بين هذه الرؤية وتوزيع المقاعد على الأحزاب اليمنية وبعض منظمات المجتمع المدني ..إلخ
، ويقولون أيضاً لدينا مجلس النواب الذي يمكنه أن ينوب عن الشعب في إقرار ما يخرج به مؤتمر الحوار ، نقول أن تلك الجهات لا تمثل الإرادة الشعبية بتقسيماتها الجديدة بعد2011م ، فمجلس النواب مجلس افتراضي انتهت فترته الشعبية منذ سنوات وبالتالي من انتخبوا منذ حوالي عشر سنوات لا يمثلون ولا يعكسون طموحات الشباب الذين كانوا أطفالاً خلال تلك الدورة الانتخابية ، أما الأحزاب الحالية فلم تعد تعكس الطموح الشعبي في بناء وطن خالٍ من الفساد ، لأن الكثير من القيادات الحزبية في الحكومة والمعارضة فشلت منذ عقود في تحقيق حلم اليمنيين في بناء وطن وحدوي مزدهر ومتقدم يسوده النظام والقانون وخالٍ من الفساد ، وبالتالي ليس من المعقول أن يسند إلى هؤلاء مرة أخرى تقرير مصير البلد فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، كما أن غالبية هؤلاء لازالوا حتى الآن باسطي اليد على مساحات واسعة من أراضي لمحافظات الجنوبية والغربية بل ولازال بعضهم حتى الآن يستحوذ على جزء من الإنتاج النفطي فهل يعقل أن يكون حوار هؤلاء طبيعياً ولا يعكس طموحاتهم في السيطرة والاستحواذ ، لذا ندعوا إلى حظر المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني لكل الأسماء المشار إليها في تقرير باصرة هلال أو من لم يشملهم التقرير وتبين سيطرتهم بالقوة أو الاحتيال على الأراضي والعقارات العامة والخاصة في أي جزء من أراضي الجمهورية أو من عُلم فسادهم خلال توليهم لمناصب ومهام حكومية وهؤلاء الكثير منهم ملفاتهم موجودة ومجمدة بتوجيهات الرئيس السابق لدى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ،
وبالتالي أن يكون هؤلاء هم نواة مؤتمر الحوار الحالي وهم أنفسهم سبب دمار العقود الماضية من تأريخ اليمن فتلك قسمة ضيزا ، فبهذه الحالة دون شك سيكونون مقدمات لتدمير الحاضر والمستقبل ، نأمل لمؤتمر الحوار الوطني النجاح وأن يعيد اللحمة لأبناء شعبنا اليمني شماله وجنوبه على قاعدة الوحدة العادلة والشراكة الوطنية في الثروة والقوة والسلطة .