آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

العراق الفارسي ومشروع الولايات الصفوية المتحدة

الإيرانيون (خصوصاً النظام الحالي) أسسوا سياساتهم تجاه المنطقة العربية على مبدأ إيران القائدة، الملهمة والمؤثرة في كافة أوراق اللعبة في الشرق الأدنى (1). لنفهم الدولة الفارسية وستراتجيتها الخارجية تجاهنا علينا دراسة أولاً وضع العراق منذ وصول الخميني إلى إيران وحتى سيطرة أدوات طهران على مقاليد الحكم في بغداد.

· العراق الفارسي !
وبالعودة إلى تاريخ الستراتيجية الإيرانية تجاه العراق يظهر لنا جلياً ان الأحلام الفارسية تحققت الواحدة بعد الأخرى في هذا القطر العربي والمفارقة تدخل واشنطن بكل قوتها لتخليص طهران من أحد أكبر مآزقها الإستراتيجية "العراق العربي". ولقراءة التسلسل الزمني لأحلام النظام الإيراني (2) أنقل هنا بعض المواقف والتصريحات الإيرانية تجاه العراق والمنطقة العربية:
· لم يبقى لنا سوى حل بممر بري, أيْ الطريق المؤدي إلى القُدس الذي يمر بكربلاء. "محسن رضائي، مرشح رئاسة الجمهورية وقائد الحرس السابق, خطبة الجمعة 19 يونيو 1982".
· إن إيران ان انتصرت في هذه الحرب وألحقت الهزيمة بالعراق فإن العراق سيلحق بإيران وإن أرتبط العراق بإيران فإن بقية هذه الدولة الصغيرة القائمة في المنطقة ستضم إلينا, إن طريقنا هو متابعة قضية لبنان عن طريق الحاق الهزيمة بالعراق., علينا ألا نترك العراق يقف على قدميه ! "خطاب خطير للخميني، 22 يونيو 1982 طهران".
· إن الهدف من مركز القيادة في جنوب خوزستان (الأحواز المحتلة) هو إقامة حكومة ثورية في إقليم البصرة العراقي. "العقيد صياد شيرازي قائد القوة البرية الإيرانية, حديث لصحيفة "اطلاعات" بمناسبة اسبوع الحرب، 29 سبتمبر 1982".
· إن هدفنا اقامة دولة اسلامية جنوب العراق ليسود الاسلام في الخليج الفارسي "العربي"! "رفسنجاني, رئيس مجلس الشورى حينها, خطبة الجمعة, 31 مارس 1985 م".
· إن إيران لم تصل إلى هناك (شبه جزيرة الفاو) لكي تنسحب, لقد ذهبنا هناك لنبقى حتى يتم تحرير العراق, ان "أم قصر" تتعرض لقصف كثيف وإنها على وشك السقوط في أيدي قواتنا. (محسن رفيقدوست, رئيس الحرس الثوري السابق, مقابلة مع راديو طهران, 24 مارس 1986".
· أما أخطر تصريح فهو لكمال خرازي "علي‌نقی", وزير الخارجية الإيراني السابق, الذي كان الناطق الرسمي بإسم مجلس الدفاع الأعلى الإيراني فهو قال "إن طهران ترغب في اقامة جمهورية "شيعية" في جنوب العراق قبل البدء بهجوم مباشر على بغداد., إن إيران مستعدة لمواصلة هذه الحرب مئة عام أخرى إذا ما تطلب الأمر ذلك", "5 إبريل 1986 في زيارته لبريطانيا والتصريح لمجلة جون أفريك الأسبوعية الصادرة من باريس".
· قالت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية أنه تم ربط ميناء الفاو العراقي الجنوبي بشبكة الطاقة الكهربائية الإيرانية وانه تم انشاء 110 كيلو مترات من خطوط الطاقة الثانوية من أجل هذا الربط. "رويترز, 9 أكتوبر 1986".
· إيران غيرت اسم الفاو العراقية إلى الفاطمية! "الوكالة الصينية 11 أكتوبر 1986".

***

- نلاحظ أن جل هذه الاحلام "أن لم تكن كلها" قد تحققت وأغلب رجالاتها مازالوا سيطرون على النظام الذي يسير على الستراتيجية التوسعية ذاتها. فمثلاً حقول الفكة شرق ميسان التي كانت خسرت فيهما إيران 15 ألف قتيل "إبريل 1983" أصبحت بعد 2003 إيرانية مضموناً! حيث بلغت السرقات الإيرانية من الحقول المشتركة فقط 17 مليار دولار سنوياً ذلك حسب التقارير الدولية. ومن المهم الإشارة إلى أن طهران تراهن على نفط العراق لإدارة الصراع في منطقة الشرق الأدنى لاسيما بعد ارتفاع الانتاج العراقي من النفط ومنافسة بغداد للرياض على رئاسة "الأوبك" وبذلك سيزداد النفوذ الدولي والإقليمي الإيراني عبر بغداد المحتلة! فمن خلال النفط العربي في الأحواز والعراق تمارس إيران دور خبيث تجلى ذلك في محاولة اختراق الموقف الأردني الثابت عبر اغراءات نفطية.
- تعمل إيران على ربط شبكة أنابيب الغاز الطبيعي لديها بالعراق ثم سوريا بطول 1800 كيلو متر وبتكلفة 10 مليارات دولار أمريكي وتسابق طهران الزمن لتنفيذ المشروع قبل سقوط دمشق ! هل سيكون هذا الانبوب مسمار جحا فارسيا للعودة لدمشق عقب طردها منها؟
- غيرت إيران قبل عقدين ونصف اسم "الفاو" لكن اليوم هنالك مشروع قدمته أدوات إيران للبرلمان العراقي يقضي بتغيير أسماء وحدود المحافظات العراقية لتتماشى مع الروح ومزاج الإيراني !
- طهران وعقب احتلالها للفاو 1986 ربطت شبه الجزيرة العراقية بشبكة طاقتها, في المقابل العراق بأكمله اليوم مربوط بشبكة الطاقة الإيرانية. فالجمهورية العراقية التي حجمها أكبر بـ1217 مرة من غزة لا تختلف عن القطاع حيث تقوم إسرائيل بتزويد حاجات غزة من الطاقة وتقوم إيران ببيع العراق الف ميغا واط من الكهرباء عبر خطوط عبادان – البصرة وكرمانشاه – ديالى.
- في العراق هنالك مئات الشركات الإيرانية التابعة للحرس الثوري تربح سنوياً صفقات حكومية بعشرات المليارات! العراق اليوم دولة مستهلكة واقعة تحت السيطرة الاقتصادية الإيرانية الشاملة حيث إن حجم التجارة بين طهران وبغداد المحتلة ستبلغ خلال عامين فقط 25 مليار دولار سنوياً لتحويله لأكبر سوق للبضاعة الإيرانية في العالم .
- يستقبل العراق ثلاثة ملايين زائر إيراني سنوياً حسب المصادر الرسمية الإيرانية, بل حتى مسؤولية إيواء الزوار الإيرانيين تقوم به شركات إيرانية لمنع استفادة العراق من فلس إيراني واحد. وهنالك حديث عن تغيير في التركيبة السكانية لمناطق في جنوب العراق حيث حصل مئات الآلاف من الإيرانيين على الجنسية العراقية!
- منطقة زرباطية الحدودية مع إيران الذي خسرت فيها طهران 24 الف قتيل "يونيو 1983" بغية احتلالها اصبحت اليوم منطقة تجارة حرة إيرانية – عراقية, بل ان محافظة واسط بكاملها اضحت بنكاً إيرانياً والعملة الدارجة هي "التومان"!
- لم تكن إيران تحلم بأكثر من ربط شبكة طرقها بمدن البصرة وكربلاء وهو حلم فارسي قديم حيث كانت يافطات الطرق في المدن الإيرانية تشير إلى المسافة التي تبعد المدينتين العراقيتين! الحلم تحقق وتطور فربطت إيران بالعراق عبر شبكة طرق برية وخطوط جوية, بل وبخط حديد طهران – المُحمّرة – بغداد (3) , والذي كان مخطط له أن يصل لدمشق الثائرة !
- تصريحات خرازي عن اقامة دولة شيعية قد تحققت فعلاً بإقامة دويلة طائفية صفوية في بغداد, ومن المهم ان نشير إلى أن الأخير يشغل اليوم منصب رئاسة مجلس رسم ستراتيجية العلاقات الخارجية الإيرانية "شوراي راهبردي روابط خارجي" !
· الولايات الصفوية المتحدة ،،
ولتكتمل صورة الستراتيجية الإيرانية يجب أن ندرس وضع الشرق العربي الأدنى, منذ انشاء فرع "حزب الله" في لبنان 1982 والذي سمح لإيران ببسط هيمنتها الأمنية والسياسية من دمشق وحتى بيروت فكان العراق حجر العثرة الأهم لاستكمال الهلال الصفوي, فأصبح الهدف الأكبر لإيران والولايات الصفوية المتحدة. فعقب عام 2003 اكمل العراق الذي لم يعد عربياً هذا الهلال الفارسي. في الأفق اليوم مؤشرات لقيام دولة علوية في سورية مع اقتراب حسم معارك دمشق لصالح الجيش الحُر. يمكن تقسيم المنطقة العربية إذا إلى مناطق حسب مرحلة نضج المشروع الإيراني فيهما. هنالك مناطق تحت السيطرة المباشرة وهم لبنان "من خلال "حركة أمل" و "حزب الله", قطاع غزة "من خلال ثنائي "الجهاد الإسلامي" و "حركة حماس", العراق "من خلال رباعية حزب الدعوة, المجلس الأعلى لثورة الإسلامية, الصدر, المرجعيات الإيرانية", سورية "من خلال النظام الحالي". ثم مناطق يعمل المشروع الإيراني على تثبيت نفسه فيها : اليمن "عبر الحوثيين في الشمال ومحاولات لاختراق الحراك الجنوبي", البحرين "من خلال جمعية الوفاق الإسلامية", ثم مناطق جار اختراقها وهي منطقة الخليج العربي عموماً (الشرقية في المملكة العربية السعودية مثالاً)، الأردن. وأخيراً منطقة حاسمة ستقلب مستقبل المنطقة بأكمله لصالح إيران ان استطاعت طهران اختراقها وهي جمهورية مصر العربية. فمن هنا يجب التركيز على معالجة جراحية دقيقة وحقيقية لأدوات إيران في المنطقة, مع الأخذ بعين الاعتبار العراق كمحور أساسي في المشروع الإيراني والأحواز المحتلة كشريان للاقتصاد الفارسي.
ختاماً يجب الحذر من المسرحيات الدولية ضد إيران, فواشنطن التي تدعي فرض عقوبات على طهران اعفت قبل أيام تسع دول من عقوبات استيراد النفط الإيراني "الأحوازي" ولمدة 6 أشهر اضافية, على رأسهم الصين, الهند, كوريا الجنوبية وتركيا. ومن المهم الإشارة إلى إن الدول التسع يبلغ ناتجها المحلي 13 تريليون دولار وتشكل بذلك نحو 25 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي! بكلمة أخرى، أميركا أعفت زبائن إيران الكبار من مسرحية العقوبات في لعبة مكشوفة, وإن كان هنالك من فائض للنفط الأحوازي فحكومة العملاء في بغداد ستبيعه لصالح طهران!

خالد الزرقاني
* مسؤول اللجنة المركزية للمنظمة الإسلامية السُنية الأحوازية

ملاحظات ،،
1 – للإطلاع على النظرية الأساسية للخارجية الإيرانية وتوجهاتها العقدية راجع بحث موثق نشرته في 17 اكتوبر 2009 تحت عنوان (نظرية أم القرى الإيرانية، الطريق إلى مكة والمنامة).
2 - أنصح لمن أراد الاطلاع على تأريخ الطموحات العسكرية الإيرانية لنظام ملالي طهران قراءة كتاب (الأبعاد السياسية والستراتيجية لتحرير الفاو) لدكتور الفريق عبد الحميد محمود الخطاب رحمه الله.
3 – راجع بحث للكاتب بعنوان (مخاطر خط حديد المحمّرة - بغداد - دمشق على الأمن القومي العربي)، نشر في تأريخ 22 نوفمبر 2010.

زر الذهاب إلى الأعلى