التحدي الأبرز الذي يواجه اليمنيين في وقتنا الراهن هو معركة استعادة الدولة.. وإلى ذلكم الحين يبدو جلياً أن هناك محاولات محمومة من قبل القوة الأبرز في العالم من أجل إحكام القبضة في اليمن انتهازاً للمرحلة الانتقالية الهشة وبناء على ما تم إحرازه من تغلغل ونفوذ أمريكي في الفترات السابقة..
ففي الفترات السابقة أمكن للأمريكيين التغلغل الأمني في البلد على هامش ما يسمى بالحرب على الإرهاب، إذ تم تفكيك جهاز الاستخبارات اليمني (الأمن السياسي) وتأسيس جهاز مواز له ومهيمن عليه (الأمن القومي) الذي تم تسليمه مفاتيح الاندياح المعلوماتي في اليمن مع فرقة اغتيالات ميدانية تابعة له، وصلت من التبعية الأمريكية إلى حدٍ لم يكن يستبعد معه أن يكون الرئيس السابق مطلعاً على بعض عملياتها إلا بعد وقوعها.. مع ذلك ظلت التبعية الجزئية لبعض هذا الجهاز للرئيس السابق إشكالية في نظر الأمريكان الذين كانوا يشعرون بقلق دائم إزاء قدرة صالح على النكث والخديعة ولهذا سموه في بعض تقاريرهم "ثعلب اليمن".
وبتوقيع صالح على المبادرة الخليجية استكمل الأمريكان سيطرتهم على جهاز الأمن القومي وظل قلقهم متصاعداً من احتمالية استقواء الأمن السياسي من جديد، فراحوا، وفقاً لهذه القراءة، ينفذون عمليات تصفية واسعة للكثير من رموزه لعل آخرها ما حدث أمس باغتيال نائب مدير الأمن السياسي في المكلا أحمد بارمادة (ضابط الأمن السياسي رقم 73 الذي يتم اغتياله منذ بداية العام الجاري 2012، ورقم 1368 خلال الخمس السنوات الأخيرة).
ووفقاً لهذه القراءة تبدو السيطرة الأمريكية في اليمن محفوفة بالمخاطر ومهددة بالزوال ما لم يسرعوا في إحكام قبضتهم خلال الفترة الانتقالية، وهو ما لن يتسنى لهم إلا بوجود ذراع عسكرية بعد شعورهم أن القوات الخاصة التي أشرفوا على إنشائها لا تفي بالغرض على المدى البعيد، وليست مضمونة الانقياد، لتستكمل الولايات المتحدة عوامل قوتها بإضعاف الجيش اليمني سواء الموالي للرئيس السابق أو الثائر عليه.. من هنا تم قطع مسافات في سبيل اغراق قاعدة العند اليمنية بالجنود الأمريكان والعتاد الحربي الأمريكي جنباً إلى جنب مع مساعٍ حثيثة باتجاه إعادة هيكلة الجيش اليمني بخبرات ورؤى أمريكية الهدف منها كما يرى د. ثروت اللهيبي تفكيك وحل الجيش اليمني (المنقسم حالياً).. ويؤكد اللهيبي أن الانقسام الحالي في الجيش اليمني هو انقسام على المستوى الفوقي لا يحتاج إلى إعادة هيكلة بل إلى عملية إصلاح وطني وبكوادر وطنية وفقاً لمصالح ورؤى وطنية مؤكدة.
ونلاحظ الاهتمام المحموم من قبل السفير جيرالد فايرستاين من خلال حضور أغلب اجتماعات لجنة إعادة الهيكلة. ورأينا أمس الأول وفداً عسكرياً أمريكياً رفيع المستوى خاصاً بما يسمى "الهيكلة" التقى في صنعاء رئيس الجمهورية ووزير الدفاع وسط أزمة متصاعدة بين الرئيس الحالي والسابق على خلفية سعي الأول فصل ألوية الصواريخ من قوات الحرس الجمهوري التي يقودها نجل الأخير.
إبقاء حالة الانقسام الشديد بين مكونات الفعل السياسي اليمني مطلب أمريكي لا غنى عنه، وبالذات في هذه المرحلة، ضمن سياسة "إحكام القبضة" التي يستسلم لها اليمنيون بلا أي اعتراض وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي الذي يتم عزله يومياً عن مراكز القوى في الداخل، وإغراقه بمظلة دولية تفيض عن حاجته، وتعمِّق الشرخ بينه وشعبه، في الوقت الذي يتم فيه الإبقاء على كل أعواد الثقاب اليمنية قابلة للاشتعال في أية لحظة.