كنتُ- كالكثير من البسطاء- أحبك حد الغباء، وما يزال في القلب نحوك شيء من ذلك الحب الغبي، ولست أدري لماذا؟ ألأني لا أجيد الكراهة الكاملة، أم لأن ما بيني وبينك كان صُحبة نصف عمْر من طرف واحد أبله!!
أعظمُ ما كنت أتمناه كفتى سبتمبري وحدوي، من بلاد المغانم والمَهاجم، أن تُلتقط لي صورة مع شخصك، ولا أطمع بشيء أبعد من هذا؛ فلقد أعتدنا أن يكون لسوانا القصر ولنا الصندقة، ولهم السيارة الفارهة، ولنا السيارة المستعملة، وإن طالنا سقم قاتل؛ فياسين أقوى من ألف مشفى بعمّان أو بالقاهرة... فعلا، كان ذلك هو الحلم، ولا سواه، وعندما منحتُ أنا نفسي وبنفسي المجتهدة-ولست أنت- فرصة ذلك اللقاء، وبقدر من الله سبحانه وتعالى، قلتَ لي وقد بهرك عجُز اسمي: الذهب..؟!! من أين؟ قلتُ: من إب؛ فانسلّت يدك من يدي القابضة بشغف، ككائن رخوي يصعب الإمساك به!!
قال لي أحدهم -معاتبا- بعدما تحقق ذلك الحلم الساذج : يا ابن أمك، لو قلتَ له أنك حِزْيزي الأصل، أو من شماريخ قيفة؛ لجئت على سيارة يابانية الماركة، ولنِلتَ منصبا دارّا لك، ورافعا لحال أبنائك من بعدك.
هكذا كان الناس ينظرون إليك أيها الصالح الرئيس، وهكذا علمتهم أنت كيف تكون النظرة إليك، حتى الخارجين عليك- وقد كنتَ في منعة وقوة وسعة رضا من هذا الشعب الطيب- لم يكونوا يتوقعون منك مع كل لحظة عصيان ونفور إلا الإغداق بالجائزة، ورحابة الصفح، وحسن المنقلب، بل لقد كنت تصنع من أولئك الفسَلة زعماء أقوام، وقادة عظاما، فيما كان كل عزيز قوم يتوارى خلف عوزه وعزة نفسه رويدا رويدا.
الآن، وقد غدوت وحيدا تسْرِج في أبراج رأسك ألف ندامة وحسرة، لا أشك يا ساكن قصرك السجن في الثّنيّة، أنك تتمنى أن تعود لتحكم اليمن لسنة واحدة؛ وأنك ربما فكرت أنك أخطأت في حق هذا المجموع الذي بُحّت حناجره وهو يهتف لك بصدق: بالروح، بالدم، نفديك يا علي .. مع أنه كان قد ذهب روحه ودمه بطشا وقهرا من جور جبايات زبانيتك الذين أبَحْت لهم نهش هذا المجموع، رغم شغفهم بك، وتفانيهم لأجلك!!
ولكن، هيهات يرجع الحليب إلى الضرع!!
لا شك أنك تعرف- بالتأكيد- أنهم لم ينسوك بعد.. نعم، وأنهم لم يتخلوا عن ترداد اسمك، وعن تعليق صورتك على جدران منازلهم المتشققة، وصنادِقهم التي أدركها الصدأ؛ لأن لعنة الحب بغباء ما تزال تجري مجرى الدم الذي يعاني الكثير منهم من فقره.
أما أنا، فقد وعيتُ الحقيقة، وسأقولها لأولادي وأحفادي من بعدي.. وسأهتف: بالروح، بالدم نفديك يا يمن... بالروح، بالدم ، نفديك يا وطن.