[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

وزير العمل السعودي... «مو عاجب أحد»!

أعترف بأنني كنت منحازاً إلى وزير العمل السعودي المهندس عادل محمد فقيه عندما حاورته على شاشة تلفزيون «روتانا خليجية» مساء الإثنين الماضي، وكان الكثيرون يريدونني أن أنحاز إلى الحملة الشعبية ضده، وأن أسأله لماذا يرفع كلفة العمالة الرخيصة التي أدمنّا عليها؟ ولماذا يريد للسعوديين أن يعملوا في وظائف يرونها «دنيا» بعدما سخّر الله عز وجل لهم بشراً يأتونهم من أطراف الأرض لخدمتهم «بتراب الفلوس».

بالطبع لم أفعل، بل زايدت على الوزير عندما قلت له: إن كنت تريد حقاً أن ترفع كلفة العمالة الأجنبية، فإن فرض رسم 200 ريال شهرياً فقط على كل عامل لن يؤدي الغرض، إنما عليك أن تزيد من هذه الرسوم، فلا تمر 5 أعوام إلا وقد خرج من المملكة 5 ملايين أجنبي على الأقل، فما قصة هذه «الرسوم» التي أثارت ضجة في السعودية، وجعلت وزير العمل أقل الوزراء شعبية وأكثرهم إثارة للجدل، فلم يجد من يؤيده غير نخب قليلة مثقفة، واقتصاديين مدركين لأهمية توظيف المواطن في الاقتصاد، مع قليل من رجال الأعمال الذين أدركوا خطر إدمان الاقتصاد السعودي على العمالة الأجنبية الرخيصة!

إنها 200 ريال فقط (53 دولاراً أميركياً) تفرض كرسوم شهرية على كل عامل غير سعودي، ويدفعها صاحب المنشأة التجارية، ويعفى منها لو وظّف عمالة سعودية مساوية للأجانب أو أكثر، وستذهب هذه الرسوم التي قدر أنها ستصل إلى نحو 10 بلايين ريال لتمويل صندوق الموارد البشرية، وبرامج تدريب وتوظيف السعوديين الباحثين عن وظائف. إذاً هي صفقة جيدة، وتحالف مفيد للوطن بين رجل الأعمال والدولة. ليس تماماً، فمنذ أعلن فقيه عن مشروعه هذا وهو يتلقى الانتقادات الحادة من قطاع الأعمال، واتهامات بأنه يسعى فقط لجمع المال لتمويل برامجه المختلفة التي «ستدمر الصناعة السعودية وقطاع الخدمات وترفع كلفتها على المواطن» على ما صرّح غير رأسمالي سعودي أو كاتب عمود يؤيده، بل وتحالف رجال الأعمال في سابقة مع التيار السعودي المحافظ، والذي سبق له وصرّح علانية ليس بمعارضته فقط للوزير، بل حتى «كراهيته»، فهددوه بأنهم سيدعون عليه في الحرم المكي الشريف ب «السرطان»، وذكّروه أنهم فعلوا ذلك من قبل مع سلفه غازي القصيبي «فهلَكَ بعد أقل من شهر»، على ما تجرأ أحد الدعاة، وقال بكل صفاقة خلال «جلسة مناصحة» مع الوزير الأسبوع الماضي، ولم يحتج على قوله السقيم أي من كبار أو صغار العلماء بعد، في تضامن معهود من هذا التيار المعادي للتنمية في المملكة.

أسباب «كراهية» التيار المحافظ لعادل فقيه مختلفة، وإن كانت متداخلة مع أسباب «بعض» رجال الأعمال، فهم مهووسون بمحاربة قرارات السماح للمرأة بالعمل، وقصر التشغيل عليها في متاجر المستلزمات النسائية، وقد اقتصر القرار حتى الآن على متاجر الملابس النسائية الداخلية لتمريره، ولكن التيار الديني يعلم أن «المستلزمات النسائية» يمكن أن تشمل عشرات المتاجر الأخرى، وقد تحالف معهم في ذلك «تكتيكياً» معظم تجار قطاع التجزئة الذين يفضلون توظيف «ذكر» أجنبي يقلّب للسيدات ملابسهن الداخلية، في تعارض صريح مع طبائع المجتمع السعودي المحافظ، ولكنه بالنسبة إلى التاجر السعودي أقل كلفة من سيدة سعودية تحتاج إلى وظيفة، وتعمل بضعف الراتب وبساعات محدودة، وتتمتع بغطاء تأميني وفق أنظمة وزارة العمل، وكل ما سبق تكاليف إضافية يفضلون ألا يدفعوها! الاقتصاد وقواعد المحاسبة في زيادة الأرباح وتقليل الخسائر هو المحرك لهؤلاء لا الوازع الوطني والمصلحة الوطنية العليا التي يدندن حولها وزير العمل، أما بالنسبة إلى التيار الديني، فالمهم عنده أن هذا «الذكر» يضمن له ألا تعمل المرأة في العلن.

التيار الديني لا تهمه أرقام عادل فقيه، مثل أن 85 في المئة من المسجلين في برنامج حافز الذي يسجل فيه العاطلون من العمل، والبالغ عددهم مليوني سعودي هم «نساء». هذه رسالة واضحة للتيار الديني أن خطابه المحتقن برفض عمل المرأة وتثبيطها عن ذلك فشل، فثمة 1.7 مليون سعودية يرغبن في العمل، وكثير منهن يفضلن العمل مدرسات، وبعضهن يردن عملاً وفق شروط رجال الدين، أي خالياً من عوارض الاختلاط مع الجنس الآخر، وحيث إن الاقتصاد هو الذي يحرك الناس وليس الوعظ البارد، فإن نصفهن على الأقل مستعدات للعمل في قطاع التجزئة مثلاً، وهو ما سيعارضه بشدة رجال الدين، فالحاجة إلى الوظيفة ودخلها هي ما يحركهن ويضغط على الدولة ممثلة في وزارة العمل. هؤلاء النسوة و360 ألفاً من الشباب السعوديين ومعظمهم بتعليم متواضع دون الثانوي، يشكلون 10 في المئة من الشعب.

بالطبع لا يخلو التيار المحافظ من حلول، فهو أيضاً «عنده حلول»، ولكنها لا تتفق وقناعات من درس «اقتصاد 101»، ناهيك عن وزارة المالية السعودية، فهم يقترحون راتباً لكل ربة بيت وهي جالسة في «البيت»! نعم هذه أفكارهم التي تقوم على نظرية: «الدولة الله موسع عليها، وبرميل البترول سعره فوق 100 دولار!».

من الضروري الإشارة إلى إصرار هذا التحالف الديني - الرأسمالي على أن القرارات هي «قرارات الوزير» وليس مجلس الوزراء، في محاولة منهم لدفع الوزير ووزارته في صراع التيارات السقيم، بينما الحقيقة أن كل قراراته هي تنفيذ لقرارات مجلس الوزراء الذي يترأسه ملك البلاد، بل إن ثمة سياسة رسمية معتمدة منذ أكثر من 10 أعوام تنص على ضرورة خفض عدد الوافدين (العبارة اللطيفة التي نطلقها على غير السعوديين) للنصف، بحيث لا يشكل مطلقاً أكثر من 20 في المئة من إجمالي عدد السعوديين، أي أن أقصى رقم يمكن أن يصل إليه الوافدون في المملكة هو 4 ملايين فقط، بينما الرقم الرسمي للأجانب المقيمين في المملكة هو 7.2 مليون، ولو أضفنا عائلاتهم والمقيمين غير الشرعيين فسيتجاوزون العشرة ملايين، ما يعني أن كل سعوديين اثنين يوجد أجنبي واحد يخدمهما، وهذا بالتأكيد وضع غير طبيعي، ولكن المشكلة أن كثرة من السعوديين يعتقدون أنه وضع طبيعي!

هؤلاء يصل عددهم إلى نحو نصف مليون سعودي، أكثر من ثلثهم (110 آلاف) لديهم منشأة تجارية، ولكنهم لا يوظفون أي عمالة، لا سعودية ولا وافدة، بينما يمكن أن يكون تحت كفالته الف أجنبي، وهؤلاء تضعهم وزارة العمل ضمن قائمة «المشتبه بمتاجرتهم في التأشيرات»، وهي بالطبع مخالفة صريحة لأنظمة البلاد، أما الثلثان الآخران (341 ألفاً)، فهم الذين يمارسون في الغالب جريمة أو مخالفة «التستر»، فهؤلاء لديهم منشآت تجارية لا توظف أي سعودي على الإطلاق.

«التستر» هو أن يعمل الأجنبي بحرية، مستخدماً اسم مواطن سعودي في مقابل مبلغ مقطوع. إن تلك المتاجر المنتشرة في كل أطراف المملكة، من ورش الحدادة والألومنيوم والنجارة والبقالات ومتاجر بيع أدوات السباكة والكهرباء والحلاقة، وقائمة طويلة لا تنتهي تدمر فرص الشاب السعودي في تأسيس عمل تجاري مماثل والكسب منه.

جلّ من تظاهروا واحتجوا أمام مكتب وزارة العمل أخيراً هم في الغالب من تلك الشريحة «المتضررة»، ذلك أنهم تعودوا على الوضع القائم طوال 30 عاماً، يرتاحون في بيوتهم، ويستقدمون عمالة أجنبية رخيصة تعمل لمصلحهم في مقابل مبلغ مقطوع من المال، بينما يعمل الأجنبي لمصلحتهم بحرية، يسيطر على السوق، ويفرض أسعاره وساعات عمله المناسبة. سيحولون هذا العام نحو 130 بليون ريال إلى الخارج، ويطردون الشاب السعودي من السوق التي لم تعد تناسبه، وبينما يحاول وزير العمل رفع كلفتهم بزيادة رمزية - لا تزيد على 2 في المئة من كلفتهم الحقيقية - يحتج رجال الأعمال المستفيدون، والغريب أن يحتج معهم كثير من الشباب السعودي الباحث عن عمل والمتضرر... فلماذا؟

* كاتب سعودي

زر الذهاب إلى الأعلى