لا يمكن بناء منظومة أمن خليجي إلاّ بإدراك المحيط الملتهب والمتربص به، وعملياً إذا لم توضع خطط عملية، وليس على الورق فقط، أو عقد المؤتمرات ورفع التوصيات، فإن الأزمات المحيطة قد تنتقل نيرانها إلى هذه الدول وإن كان بنسب مختلفة يقاس تأثيرها وفقاً لنتائجها..
ما يحدث في اليمن سواء بالأزمات المتصاعدة داخلياً، والاعتراف بأن الوجود العملي للنظام السابق باقٍ، وآثاره لا تزال تحرك الخلافات وتطورها، ويبقى موضوع وحدة الجنوب مع الشمال والدعوات التي تريد الانفصال بين الشمال والجنوب، وأخرى تدعو إلى كونفودرالية، وثالثة التعامل بإيجابية وليس هيمنة الشمال على الجنوب تحت أسماء لا تتطابق ومفاهيم وغايات الوحدة..
اليمن واقع بين حكومة تريد استعادة دورها، وتنظيف البيت من بقية ما علق به، وقد ورثت تركة ثقيلة من رجل خلق عداوات راسخة بين المجتمع اليمني حين سلط القبيلة على الأخرى، ودفع بمتطرفين إسلاميين محاربة غيرهم، وعمّقَ الفرقة بين جنوب وشمال وتغاضى عن تنامي دور الحوثيين وتحالفهم العلني مع إيران، وهذا التراكم من القضايا المعقدة خلق أكثر من جبهة داخل اليمن سواء القاعدة وتناميها ودخول أمريكا طرفاً بحربها، وعلى الجانب الآخر تغلغل إيران وبقوة لتعويض دورها الذي تلاشى في سوريا إلى اليمن حيث رمت بكل ثقلها لخلق بؤر عمل لها صارت تتسع بفعل ضعف السلطة والفراغ الكبير الذي تسببت به الثورة في حالتها الانتقالية الجديدة..
إيران لعبت دوراً مشتركاً مع أمريكا في ابتلاع العراق، ومع أن المؤشرات العراقية أخذت تتجه إلى الضد أي رفض رجلها الأول المالكي وخروج الشارع لإسقاطه، فإن إيران لا تريد نهايات صعبة لها سواء في سوريا أو العراق ولبنان، ويبقى البطن الرخو اليمن، وقطعاً لن تكون المعركة هذه المرة على أرض تجاور إيران بل في عمق الجزيرة العربية لتشكل طوق حصار على الدول الخليجية، وتفتح نوافذ مع الصومال مع وجود عملي على البحر الأحمر الذي يظل ساحله عربياً بالدرجة الأولى..
دول الخليج تدرك ما تعنيه إيران بوجودها في اليمن، فهي تسعى لجعل المذهب الزيدي، والذي ظل الأقرب بالتمازج والتواصل مع السنة في اليمن وخارجها، وترى أن تطابقاً معه في المذهب الشيعي يجعل التحالف المذهبي أساسياً ومن منطق التجانس والتلاقي أمام الكتلة السنيّة الكبيرة، وإذا ما تحقق هذا الهدف نتيجة ضعف قبضة الدولة في اليمن فإن من يدفع الكلفة الأمنية دول الخليج العربي، إذ مثلما حاولت خلق هلال شيعي يمتد منها مروراً بالعراق وسوريا، فلبنان، تريد خلق طوق بديل يحاصر دول الخليج بين كماشتي اليمن والعراق، وهنا لابد من تحرير الرؤية لهذه الدول وفهم أن المخطط ليس فقط حشد فئة من الحوثيين بل تنصيب إيران ولياً جديداً، وهذا ما يجب أن نعرف إذا ما خرج الدور من سياسي ومذهبي، إلى تهديد أمني عسكري ونقل الحرب إلى الداخل العربي، والتعامل مع النتائج الراهنة يستدعي وضع خطط مباشرة تخرج من الأحاديث إلى العمل المشترك، وإلاّ فالمخاوف بسقوط اليمن كما العراق في الحضن الإيراني متوقعة ونتائجها ستكون كارثية..