التقيته -قدرا جميلا- عام 1998م، ولم يضع لمعرفته الجديدة بي حذرا أو حيطة، كما يفعل البعض!! وفتح لي داره بكل شغف، فجلسنا لثلاث ساعات فقط، هي وقت المقيل، طوّف بي كثيرا؛ في الأدب، والشعر، والتراث، والسياسة، والجندية، والثورة، والنضال، والمعاناة، والصبر، وما شابه ذلك من متلازمات أهل اليمن السعيد؛ ولا سعادة!!
قال لي وهو يتحدث عن الرئيس الراحل أحمد الغشمي: كان كريما، سخي اليد، لا يرد يد طالب حاجة!! حينها اندهشت، إذ لم يكن الانطباع لدي عن أحمد الغشمي إلا ما يتناقله العامة، وتلوك به ألسنهم، كما تحدث لي عن الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، معددا المناقب والهفوات، وعن الرئيس السابق على عبدالله صالح، ولكن دون تعمق.
غادرت منزله مغتبطا، وقد عرضت عليه قصة قصيرة لي شاركت بها في مسابقة ثقافية في جامعة صنعاء في ذلك العام، وقد فازت بالمركز الثاني، ثم نشرتها في الملحق الثقافي لصحيفة الثورة، وحملتها إليه، وكان اسمها: وداعا، فشجعني أيما تشجيع، وبارك لي هذه الخطوة.
لم يكن بيته مزحما بالمرتادين يوم ذاك، فلم نكن سوى ثلاثة أو أربعة، ولا أذكر أحدا منهم الساعة، ولفرط حبي له ولكُنيته النادرة في اليمن، أبي ماهر، أسميت أحد أبنائي" ماهرا" وأحب كثيرا أن أنادى بأبي ماهر، رغم أنه اسم أصغر أبنائي، وذلك حبا فيهما معا.
حين تُوفيت زوجته-رحمهما الله- كنت في مكان يصعب التواصل معه، فكتبت مرثية شعرية، على ذلك البعد، لكني احتفظت بها ولم أبعثها له؛ لإحساسي بأنها لا تفيه حقه وحق من فارقه، وأعدكم بنشرها لاحقا، ثم أكل عمرنا الدهر، وشغلنا بضجيج صفعاته، حتى جاء الحق ليأخذه ممن لا يعرفون قدره.
رحمك الله أيها النبراس الذي عمرت قلوبنا بحب اليمن، قصيدة ونضالا وتفانيا، في زمن حاول أبناء الدينار والدرهم قتل ذلك الحب أو تغييبه، ولتنم مغفور الذنب إن شاء الله، والعزاء لهذا الوطن الذي خسر عملاقا نادرا، هو أنت أيها الماهر؛ عثمان.