لو امطرت السماء حرية هناك عبيد سترفع الشمسية
(مثل )
منذ تاميم النفط العراقي في عام 1972 توقف اغلب من كان يشكك بهوية البعث التقدمية والتحررية لان تاميم النفط هو المعيار العملي الحاسم وليس النظري للوطنية والتقدمية مادامت الامبريالية والاستعمار الغربيين هما ظاهرة نهب ولصوصية، وتحول موقف هؤلاء الذين كانوا يشككون إلى الدعم الحقيقي لنهج البعث في العراق، وتعمق وترسخ بتواصل معارك التحرر الوطني في العراق بتسخير موارد النفط لبناء مجتمع ليس فيه استغلال أو فقر أو امية وتسوده العدالة الاجتماعية، لدرجة ان الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية الخصمان اللدودان للامبريالية العالمية وقتها عقدا صلات ستراتيجية مع البعث .
وما ان استنفدت الامبريالية الأمريكية وسائلها التأمرية كافة العنفية والمخابراتية والسياسية القائمة على الاغراء (سياسة العصا والجزرة) حتى بدأت ام المعارك الخالدة في عام 1991 بشن الحرب العالمية الثالثة من قبل اكبر تحالف دولي يضم اكثر من 33 دولة تقوده أمريكا وبريطانيا وفرنسا، واستمرت الحرب العالمية الثالثة وباشكل متعددة حتى غزو العراق . وبغزو العراق انطلق الرد العراقي الشامل وهو اعظم واسرع مقاومة مسلحة في تاريخ البشرية الحديث والقديم لان النظام البعثي الوطني اعد لها لسنوات طويلة بتدريب اكثر من 10 ملايين عراقي على حرب العصابات وتسليح ملايين العراقيين بمختلف انواع الاسلحة . وبفضل هذا الاعداد بدأت المقاومة المسلحة التي اذلت أمريكا والحقت بها الهزيمة واجبرتها على الانسحاب وتسليم العراق إلى شريكتها الاولى والاهم في غزو العراق وهي العدو الاشد ضراورة وقدما إيران لتكمل عملية تدمير العراق وتقسيمه .
في هذه المسيرة المعقدة والصعبة والطويلة كرس البعث ونظامه الوطني حقيقة ثابتة اكسبته المزيد من الاحترام والدعم العربي، وهي انه القوة الجبارة التي نجحت فيما فشل فيه الاتحاد السوفيتي والصين اي الحاق الهزيمة بأمريكا، فالذي الحق الهزيمة بأمريكا لم يكن الاتحاد السوفيتي القوة العظمى الموازية للقوة الأمريكية ولا الصين القوة الثانية بل العراق المقاوم . ورغم اسهام كل العراقيين في المقاومة وعدم اقتصارها على حزب أو فئة أو طائفة أو اثنية، فان للبعث دورا حاسما وجوهريا في اعداد اهم مقومات انطلاقتها الجبارة والعاتية وهي تدريب ملايين العراقيين على القتال وتوزيع ملايين قطع السلاح على الناس اضافة لبناء جيش جبار لم يسبق للعرب كلهم بناء نظير له من حيث العدد والعدة والاقتدار والخبرات، اضافة لدوره في تفجيرها وادامتها .
وهذا الجيش له اهمية استثنائية في تاريخ العرب الحديث لانه انفرد بضم اكثر من مليون مقاتل من مختلف الصنوف وامتلك خبرات نادرة عربيا وحتى عالميا لانه اتقن كل انواع الحروب مثل حروب الجبال والسهول المستنقعات والصحراء والليل والنهار ...الخ وتلك مواصفات من النادر جدا ان يتميز بها جيش فكيف اذا تميز بها جيش في العالم الثالث وفي الوطن العربي؟ لذلك كان من الطبيعي ان يتحول هذا الجيش فورا بعد الغزو إلى الحاضنة الاساسية لكافة فصائل المقاومة العراقية الوطنية والقومية والاسلامية وباعتراف كافة الفصائل الموجودة على ارض المعركة فعلا .
كما ان النظام الوطني وفر جهاز مخابرات ممتاز يخدم المقاومة . البعث يفخر بانه فعل كل ذلك وفي هذه المسيرة الجهادية ضد أمريكا والغرب الاستعماري وضد الصهيونية قدم بعد الغزو اكثر من 150 الف شعيد بعثي وهم يقاتلون الاحتلال أو اغتيلوا، ومن بينهم قادة في الحزب وعلى رأسهم الامين العام للحزب ورئيس الدولة الشهيد صدام حسين .
كان بامكان البعث ان يساوم ويعقد صفقات مع أمريكا والصهيونية وهي صفقات كثيرة قدمت علنا وسرا وكان ثمة مطلبان وهما الكف عن دعم القضية الفلسطينية خصوصا مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتساهل في مسالة تأميم النفط والسماح للشركات الغربية بالعودة إلى العراق . الرفض العراقي الثابت في المسألتين كان وراء الحرب العالمية الثالثة على العراق والتي ابتدأت في عام 1991 ونجحت في اسقاط النظام الوطني في عام 2003 فتعرض البعث لاخطر عملية اجتثاث لم تتعرض لها حتى النازية في المانيا . ومع ذلك صمد البعث ونجح في تضميد جراحه والنهوض مجددا ليواصل المقاومة المسلحة والنضال السياسي واستعاد دوره بسرعة بصفته القوة المركزية شعبيا وعسكريا في العراق، دون ان يتنازل أو يتراجع أو يساوم . هذه حقائق ميدانية دامغة وليست دعاية سياسية .
لماذا نذكر بكل ذلك؟ ببساطة لان بعض المثقفين اخذوا يشككون بالبعث وبمسيرته على نحو غريب بعد كل ما انجزه وحققه في صراعه الجبار مع الامبريالية الأمريكية والصهيونية، مستندين على فهم مشوه ومقتطع من سياقه الستراتيجي العام لمواقف للبعث التي التزم بها واعلنها بلا مواربة، كجزء من عقيدته القومية الاشتراكية وستراتيجيته القومية التحررية المناهضة للامبريالية والصهيونية، منذ عقود قبل الغزو وتمسك بها بعده، وهو مازال يخوض الحرب العالمية الثالثة في العراق وفي مقدمتها موقفه الثابت من دول الخليج العربي والقضية الكردية، واعتبر هذا البعض تلك المواقف مناقضة لمسيرته السابقة ! نعم انهم انفار من المثقفين ولكن ماطرحوه يشكل جرس انذار لنا للانتباه إلى ما يطرح في المقاعد الخلفية واحيانا في مسارح الاعلام فقد يكون ذلك جزء من فهم خاطئ أو بداية لحملات جديدة وحسب من يطرح ذلك .
ماهي اهم هذه الطروحات؟ يمكن تلخيصها بنقاط اساسية مع اصرارنا على عدم ذكر اسماء لان غرضنا هو نقد ظاهرة وليس نقد انفار :
1 - شخص لا اعرفه ولم اسمع به من قبل حروف اسمه هي (و.ع) قال في رسالة تم تداولها بين بعض من يقولون انهم (قوميون عرب) لكن احد المتراسلين، وهو رفيق احترمه، حول الرسائل لي للاطلاع عليها، أو ربما قصد الرد عليها لانه شعر بوجود افكار تستحق الرد، فماذا قال هذا الشخص؟ يقول حرفيا (يا سيدي في المواقف القومية والوطنية لا مجال لافتراض حسن النوايا.. يجب أن يكون الانحياز واضحا كالشمس قاطعا كالسيف. يكفي أن يشكر عزة الدوري الملك السعودي (مع كل ما نعرفه عن هذا النظام) ويدافع عن القيادات الكردية، رغم علاقاتها ب"إسرائيل، التي بدأت تبعا لما نشرته صحيفة معاريف، منذ العام 1943 أي قبل قيام "إسرائيل"، وتعمقت بعد قيامها. يكفي هذا لأشكك في أن الرجل قد انحرف عن المسار الصحيح) .
هذا ما قاله الاول منهما حرفيا بتبسيط واضح للقضايا الجوهرية، وربما يتبادر إلى ذهن القارئ ان كاتب هذه السطور احد مقاتلي المقاومة ضد الاستعمار واثخن جسده بجراح المعارك، لان من يتهم قائد مقاوم لابد ان يكون بمستواه أو على الاقل لديه وضع يؤهله للتشكيك بمن يقاتل أمريكا وكان احد اهم القوى التي الحقت بها الهزيمة التاريخية في العراق أو في اي مكان اخر، لكن مع الاسف هذا الشخص غير معروف ولم نسمع بوجود مناضل عربي بهذا الاسم لديه ارث نضالي أو تأهيل للتشكيك بقائد قاتل ومازال يقاتل على ارض العراق ! لذلك من حقنا ان نتسائل : من اي منطلق اخلاقي أو سياسي تجرأ على توجيه هذا الاتهام لقائد مقاوم مازال يقاتل أمريكا وشريكتها الستراتيجية إيران؟ عند التدقيق لانجد منطلقا منطقيا أو مقبولا يسمح بكتابة تلك الكلمات غير المسؤولة، ولذلك لابد من البحث في دوافع اخرى .
اما الرسالة الاخرى فهي التي اثارت شجوني لانها لصديق احترمه وهو داعم للمقاومة العراقية لكنه مؤخرا تحول إلى محب لبشار الاسد كما قال هو علنا وعندما تصل الامور إلى الحب والعواطف الانسانية ومهما كانت نبيلة فان المنطق العلمي يتوقف . فماذا يقول صديقنا تعليقا على تشكيك ذلك الشخص بالرفيق عزة ابراهيم؟ يقول حرفيا مضيفا ما يلي : (الحقيقة أن المشكلة الأخرى، التي تضاف للدعم الخليجي، هي البرنامج الطائفي للحراك، باعتباره انصافاً لحقوق "أهل السنة" في العراق، وهو السبب الرئيسي الذي دعا الفضائيات الخليجية للاحتفاء بالحراك .
كنا ولا نزال مع المقاومة العراقية الباسلة، ومع الرفاق العروبيين والبعثيين في العراق مما دفعوا الثمن الأكبر للاحتلال، وكنا ولا نزال ضد الدور الإيراني في العراق وفي الخليج، ولكن إذا لم يمسك المرء بالبوصلة القومية التي تجعله يبعد عن التحالف مع حكام الخليج الذين دمروا العراق وغيره، فإن السياق يصبح طائفيا وتفكيكياً بغض النظر عن حسن النوايا . وقد سررت أن الرفيق عزة الدوري أشار لدور القاعدة في تخريب المقاومة في العراق، أفلا يرى مثل هذا الدور في سورية؟ وكنا نتوقع ممن رفض التدخل الأجنبي في ليبيا، أن يرفضه في سورية أيضاً فلا مكان لتصفية الحسابات القديمة في خضم معركة مع الطرف الأمريكي-الصهيوني وأذنابه .)
هذه التعليق يفصح عن توجهات مقلقة لدى من نعتبرهم قوميين عرباً وطنيين خصوصا لانهم لا يرون في انتفاضة الشعب العراقي الحالية الملايينية سوى برنامج طائفي تماما مثلما وصفته إيران ! انه الغرق الانموذجي في اوهام بورجوازية صغيرة تقليدية لدرجة ان ضحيتها لم يعد يتذكر الواقع بكل حقائقه الصارخة فينكرها، أو لا يريد ان يراها كي يثبت ان المساوم المحترف هو ووالده، اي حاكم سوريا، مقاوم وان المقاوم الحقيقي والفعلي اخذ يساوم ! ويوسع نطاق اوهامه فلا يكتفي بوصف الانتفاضة السورية ضد النظام الديكتاتوري الفاسد بانها ارهاب بل انه يشكك بالانتفاضة الوطنية العراقية بوصفها بالطائفية مع انها الصفحة الثانية لمعركة المقاومة العراقية وهي معركتها مع فلول أمريكا ونغول إيران وهذه المعركة وطنية خالصة كما سنرى وليست ببرنامج طائفي كما قيل ! ولذلك نجد صاحبنا يغرق في مطبات ابعدته عن واقع الصراع وثبتته بمسامير قوية في موقع المراوحة في مكان سابق لعام 1981 رغم ان ذلك العام وما بعده شهد السقوط الحاسم لإيران والنظام السوري في مستنقع التعاون مع الامبريالية والصهيونية وحسم دورهما وهو ما سنوضحه بالتفصيل .
ان التساؤلات التي نطرحها مضطرين بكل اسف لان صاحبنا ارتكب خطأ فادحا بتلك العبارات الخطيرة جدا حول البعث والرفيق عزة ابراهيم وهي التالية : كيف يتحول داعم للمقاومة من دعمها إلى دعم مخربها ومن اجل هذا المخرب المخرم الجسد هو وابوه يشكك بالمقاومة ورمزها الميداني الاكبر؟ ولم يرى بوضوح مدهش ما خلف احداث مالي في افريقيا واحداث اضطهاد المسلمين في شرق اسيا لكنه لا يرى الدور الإيراني بحجمه الحقيقي وبطبيعة دوره الخطير وبادواته الاقليمية الخطيرة وفي مقدمتها النظام السوري وحزب الله مع ان تلك الاحداث البعيدة ثانوية، بالمعايير الستراتيجية العظمى، في حين ان ما يجري بيننا وبين إيران صراع وجود وهوية ومصير كما اثبتت تجربة العراق وغيره؟ ما معنى تقزيم الدور الإيراني فيي التامر على الامة العربية والتقليل من شأنه مع انه دور رئيس وخطير ولا يقل خطورة عن الدور الصهيوني بل هو اخطر منه من زوايا محددة؟ وما معنى تعظيم دور النظام السوري وطنيا وقوميا مع انه اخطر من كل النظم العربية التابعة للغرب والمطبعة مع الكيان الصهيوني كما سنرى؟ ولم ينكر بطريقة عجيبة ان البعث والرفيق عزة ابراهيم كانا اول من رفض التدخل الاجنبي في سوريا وغيرها واداناه بقوة فطلب صاحبنا لو انهما ادانا التدخل في سوريا كما ادانا التدخل في ليبيا؟ هل تصل الامور إلى حد انكار الواقع والموجود والموثق والحي؟ وما قصة (تصفية الحسابات القديمة في خضم معركة مع الطرف الامبريالي واذنابه)، هل بشار يخوض معركة مع الامبريالية؟ ام ان الامبريالية ارادت تغيير كل الحكام العرب لاسباب تتعلق بستراتيجيتها الاقليمية فشمل ذلك بشار كما شمل شركاءه التقليديين مبارك وبن علي؟ هل اصبحنا نطلق وهما ثم نصدق انه حقيقة؟
واخيرا وليس اخرا : هل يمكن لاي محلل موضوعي ان يحكم على النظام السوري بعيدا على صلاته الستراتيجية العضوية مع النظام الإيراني؟ ام ان تلك الصلات هي هويته الرئيسة ومقرر مواقفه الحاسم تجاه كل الاحداث منذ عام 1980 وحتى الان؟ واذا كانت صلاته بإيران هي المقرر الحاسم لتوجهاته العامة كيف يمكن التمييز بين الاستعمار الإيراني وحليفه الستراتيجي؟ يتبع إن شاءالله .
* سياسي عراقي