آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

كيف يفسر (شريعتي) فتح المسلمين العرب لبلاد فارس؟

الدكتور الإِيراني علي شريعتي المتخصص في علم الأجتماع غني عن التعريف سيما في إِيران، ثم لدى غير الإيرانيين سيما المُتخصصين بالشأن الإيراني، ورُبما لدى النخبة المثقفة التي فنت عمرها بين بطون الكتب.

"شريعتي" كتب الكثير الذي ينتقد فيه مسارات الحوزات الإِمامية في إيران وأمتداداتها في الدول الأخرى، ولا يعني أن أنتقاده لها أنه على الضد منها، ابداً بل هو معها ولكن آلية تناوله تلك المسالك، تنحى منحى بحثي، وفق رؤيته، تحيد كثيرا عن البحث الحوزوي، بمعنى أن "التعنت المذهبي"، يتساوى لديه والحوزة الإِمامية، فهو يعبر عنه بأسلوب، والحوزة تعبر عنه باسلوبٍ آخر، ولكن تعنتهما واحد.

المهم في مقالتي هذه : كيف يفسر "شريعتي" فتح المسلمين العرب لبلاد فارس.؟
هل يفسره إِيجاباً من حيث أنهُ نقل بلاد فارس من الظُلمات إِلى النور؟
أم يفسره سلباً من حيث أنهُ غزواً لمجموعة من الوحوش العرب.؟

الإِجابة نجدها حتماً لدى الدكتور"علي شريعتي"، في هذه الأسطر التي وردت نصاً، في كتابه الموسوم « دين ضد دين، ترجمة حيدر مجيد، سلسلة أفكار معاصرة/1، مؤسسة العطار الثقافية، ط1(1413ه-2007م»، وفي الصفحة 138 يقول ما نصه:

« هجمت الخلافة مرة أخرى، واغار سعد بن أبي وقاص( ) في قادسية من الغرب، وزحف وحوش العرب هذه المرة من جهة الغرب، فنهبوا مدائننا، ودفنوا لغتنا، وإِيماننا، وثقافتنا، وتاريخنا، وجاؤوا بالعبودية، والجهل، بستار المدينة والعلم، وهدموا الأسوار، والبروج،، واسقطوا الجدران والسقوف، واطفأوا نيران المعابد. »

بالرغم من الموقع العلمي الذي تميز به "شريعتي"، والذي يفرض عليه أن يكون مُحايداً، ثم منصفاً، ثم مُحقاً في تناول الحقائق التاريخية من حيث مصداقيتها، وليس تحريفها، نجد أنه لم يستطع أن يحافظ، ويلزم نفسه، بتلك السمات التي يدعيها موجودة في نفسه، وبالتالي في بحوثه.

ندع العاطفة جانباً، من حيث كونه فارسي، وأنا كاتب المقال عربي، فالمحصلة النهائية كلينا من عباد الله تعالى، لا بل من عبيده، وندع التاريخ غير المُحرف يفند ما جاء به "شريعتي"، ولنثبت بالقليل دون الإِطالة بأن العرب ليس "وحوشاً" كما يقول، فالوحوش هم مَن يعبد النار، ثم يفضلها على الإِسلام من بعد ما عرف فضائل الإِسلام الإِلهية، ثم الوحوش التي تكذب على التاريخ.؟

ثم الوحوش هي التي تأبى الأعتراف بفضل العرب في نقل بلاد فارس من الجاهلية، ومن الظلمات، إِلى حيث النور الإِلهي، ثم الحق والعدل،" وردع العبودية والرق وغير ذلك الكثير.؟ ودفع ثمناً لذلك حوالي ثمانية آلاف شهيد مسلم عربي، روت دمائهم ثرى بلاد فارس.؟ ثم يُنعتون ب "الوحوش".؟

ثم أن الوحوش هُم مَن يعد عبادة النار إِيمان.؟
القليل الذي أتناوله أدناه، الذي يؤكد حضارة وإِنسانية المُسلمون العرب، هو بعضاً من مضمون لقاء المُسلم العربي "ربعي"، مع القائد الفارسي رستم قبل معركة القادسية( )، وفيها شروط المُسلمين قبل المعركة لحقن دماء الطرفين، تُفند ما قاله "شريعتي" أعلاه: «أرسل رستم عبر القنطرة يطلب من المسلمين وفدا للحديث معه، فيخبر زهرة بن الحُوِيَّة سعد بن أبي وقاص بذلك، الذي بدوره جمع مجلس حربه، قائلاً: إنني سأرسل لرستم وفدًا من أصحاب الرأي، ليقيم عليه الحُجَّة، ويدعوه إلى الإسلام.

فيُجيبه ربعي بن عامر، ب: إن هؤلاء القوم قوم تباهٍ، وإننا لو فعلنا ذلك يرون أننا قد اعتددنا بهم، ولكني أرى أن ترسل لهم واحدًا فقط؛ فيشعروا أننا غيرُ مهتمين بهم؛ فيوهن ذلك في قلوبهم.

فتجادل معه القوم، ولكنه ظل يجادلهم حتى قال سعد: ومَن نُرسل.؟
فقال ربعي: سَرِّحوني. أي: دعوني أذهب إليه أكلمه.
وافق سعد وبقية القوم، وذهب ربعي بن عامر ليقابل رستم الذي لم يكن من قواد الجيوش الإسلامية، ولكنه سيد في قومه، مُمتطياً فرسه الصغير ذي الذيل القصير، وهذا شيء تُهَانُ به الخيولُ، ولبس ثيابًا بسيطة، وربط سيفه في وسطه بشيء غنمه من الفُرْسِ، وحمل فوق ظهره السهام، وفي مِنطَقته السيف، وبيده جحفة من جريد النخل مثل التُّرس يتقي بها السهام، وكانت دروع الفُرس من الحديد القوي، ولبس من الدروع درعًا حديدية تغطي نصفه الأعلى، وكان من أطول العرب شعراً، فضفَّره في أربع ضفائر، فكانت كقرون الوعل، ودخل على رستم وقواده بهذا المنظر غير المعتاد بالنسبة لهم؛ وجعل فرسه على باب خيمة رستم، فطلب منه القوم أن ينزع سلاحه، فقال: لا، أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أُحِبُّ، وإلا رَجعتُ.

فأخبروا رستم بذلك، فقال: ائذنوا له بالدخول. فدخل بفرسه على البُسُطِ الممتدة أمامه، ووجد الوسائد المُوَشَّاة بالذهب؛ فقطع إحداها، ومرر لجام فرسه فيها وربطه به، ثم أخذ رمحه، واتجه صوب رستم وهو يتكئ عليه، والرمح يدب في البسط فيقطعها، ولم يترك بساطًا في طريقه إلا قطعه، ووقف أهل فارس في صمت، وكذلك رستم، وبينما هم يفكرون في جلوسه جلس على الأرض، ووضع رمحه أمامه يتكئ عليه.

بدأ رستم بالكلام؛ فقال له: ما دعاك لهذا؟ أي: ما الذي دفعك للجلوس على الأرض؟
فقال له: إنا لا نستحب أن نجلس على زينتكم.
فقال له رستم: ما جاء بكم.؟
فقال له: لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، فمن قَبِلَ ذلك منا قبلنا منه، وإن لم يقبل قبلنا منه الجزية، وإن رفض قاتلناه حتى نظفر بالنصر. فقال له رستم: قد تموتون قبل ذلك.

فأجابهُ ربعي: وعدنا الله أن الجنة لمن مات منا على ذلك، وأن الظفر لمن بقي منا.»
ثم كان لقاءاً آخر بين: « القائد الفارسي رستم، والصحابي الجليل "المغيرة بن شعبة"، ومن ضمن الذي قال لرستم يتوائم مع ما نحنُ قيد البحث فيه: «.. فنحنُ ندعوك إلى أن تؤمن بالله ورسوله، وتدخل في ديننا، فإن فعلت كانت لك بلادك، لا يدخل عليك فيها إلا مَن أحببت، وعليك الزكاة والخُمس، وإن أبيت ذلك فالجزية، وإن أبيت ذلك قاتلناك حتى يحكم الله بيننا وبينك.

قال له "رستم": ما كنت أطنُّ أني أعيش حتى أسمع منكم هذا معشر العرب، لا أمسي غدًا حتى أفرُغ منكم وأقتلكم كلّكم.».

من النصين الموجزين أعلاه: مَن الوحوش الذين حاولوا تجنب الحرب بالدعوة لقبول الإِسلام وهم العرب، وبأسلوب حضاري، واضح، وبين لا لبس، ولا غموض فيه.؟؟

أم الوحوش: الذين ابوا الإِسلام، دين التوحيد، المُنزل إِلهياً، وفضلوا القتال الدموي، من أجل البقاء على ما هم عليه، من ظلماتٍ من حيث العقيدة.؟!

ثم لم يهدم المسلمون كما اشار شريعتي آثار الحضارة الفارسية، لا بل أحترموها وحافظوا عليه، ثم بقوا على لغتهم، ولم يفرض عليهم الولاة العرب اللغة العربية.

وكم من المخجل على "شريعتي" إِصراره علناً أن المسلمين "أطفأو نار المعابد"؟ فهذا يعني كم أنه لا زالت عبادة النيران مترسخه في اعماقه، ومتأسفاً أن الإِسلام قد أطفأها.؟

مُتغافل عن عمد، وتعنت عن جاء به الإِسلام، الذي هو افضل منها بما لا يقاس، ولم نجده شاكرا لله تع إلى على الأقل أن العرب الوحوش هم مَن كان السبب في دخول الكثير منهم الجنة سيما الذين حسُنَ إِسلامهم، والعلم عند الله تعالى، ولو بقوا على مجوسيتهم لخلدوا في النار مثل الذين سبقوهم، أو الذين رفضوا القبول بالإِسلام من حيث النظرية والتطبيق.

نخلص: أن المثقفين الإِيرانيين الذين يُعد شريعتي في طليعتهم، لا زالت عقدة الحقد، والبغضاء تعشعش في عقولهم، وتسير في دمائهم، ليس من سبب سوى أن المسلمين فتحوا بلادهم للإِسلام، بعد أن خيروهم بين قبول الإِسلام، أو الحرب، فاختاروا الحرب طائعين.؟ فلماذا هذا الحقد الدفين الذي كان يفترض أن يكون بمثابة الشكر الجزيل للعرب الذين خلصوهم من نار جهنم، وأخذوا بيدهم لمسالك الجنة.

زر الذهاب إلى الأعلى