آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

لكي لا يسقط الوطن في مستنقع التمزق الجاهلي

إنها بوادر أعمال عنف مرتقبة شبيهة بطائفية الهند وباكستان ومينمار، لكن على إيقاع مناطقي مستقبح، أو أنه يراد لها أن تكون طائفية النهج ومناطقية المرامي، بصورة متبادلة، وعلى نطاق واسع داخل اليمن، بما يفضي إلى موجات اقتتال دامية متعددة الوجوه والانتقال بالأزمة اليمنية الناشئة من إطار حلها الداخلي إلى الإطار الدولي الكامل، بما يفسح الطريق للقوى الدولية والإقليمية الطامعة، الدخول إلى اليمن، وترتيب نهايات تفاعلاته على هوى وطموحات هذه القوى ومخططات المنضويين تحت ألويتها من قوى الداخل المنهزمة التي تنتظر بفارغ الصبر هذه النهاية.. هذا هو التصور الأقرب لما يجري في مدن الجنوب والشرق اليمني.

كما أن ملمح ما يجري في هذه المناطق يتعدى مفهوم الاختلاف السياسي المعهود بين حزب وآخر، فكريا وبراديغميا، بل ويتعدى الإرث التاريخي العنيف بين جماعة فقدت السلطة في هذا المكان، وبين جماعة أخرى اعتركت معها وبسببها في أكثر من معترك، ثم وجدت الأخيرة نفسها اليوم على رأس هذه السلطة دون توقع؛ إنه بعث أحمق لنعرات هادمة لا تتفق مع الفطرة السليمة التي أعلى من شأنها دين هذه الأمة، ودمغ الناعقين بهذه النعرات بالجاهلية، وهي استدعاء لواقعة الصحابيين الجليلين أبي ذر الغفاري وبلال بن رباح، لتكون المنطلق أو القاعدة المشتركة التي يقف عليها دعاة المناطقية الجدد، المتشدقون بالمدنية ودعاوى الحرية والمساواة والتعايش السلمي!!

لقد بات واضحا للجميع من يقف خلف انتشار هذا الوباء، ومن يمول نشاط حامليه؛ إنهم حكام طهران وأذرعهم الهادمة في اليمن، الذين ينفقون بسخاء لضرب المجتمع اليمني بالتمزق المذهبي والمناطقي مثلما ضربت الكثير من المجتمعات العربية بنعرات الطائفية وأغرقت في أوحال الصراعات المسلحة، وخير شاهد على ذلك؛ ما جرى ويجري في الكويت، ولبنان، والعراق، والبحرين، وها هي اليمن تشرب من ذات الكأس وإن تعددت ألوان محتواه، وها هي مدن الجنوب تكشف عن نسخة معدلة لذات النهج الذي اغتال سلمية بعض أهلنا مدن شمال الشمال اليمني وصيرهم خصوما حقيقيين في نظر بقية إخوانهم على امتداد تراب هذا الوطن.

نحن-اليوم-نمر بمرحلة خطيرة ودقيقة تسترعي التفكير والعمل الجاد والسريع لاحتواء هذا النهج واجتثاث عروقه، والقبض على الأذرع الشيطانية الداعمة والمتلقية التي تهيئ البلاد لمعارك ومواجهات مسلحة قادمة بمذاق مناطقي ومذهبي، ولن يتأتى ذلك إلا بمواجهة الخطر المتدفق أمام أعيننا من خارج الحدود وبرعاية أيدٍ يمنية ناقمة أو مغرر بها، وأن تكون تلك المواجهة حاضرة الحكمة والقوة معا.. فهل تدرك حكومة المرحلة خطورة ما يجري؛ فتنهض من رقادها الذي طال أمده؟!

إن لم تعِ هذه الحكومة ونعي-جميعا- خطورة القادم وتداعياته الكارثية؛ فيسقط عنا القول النبوي المادح: "والحكمة يمانية"؛ لأننا إنما نكون قد تركنا يمن الحكمة يسقط في مستنقعات التمزق الجاهلي القادم من خارج الجغرافيا!!

زر الذهاب إلى الأعلى