انتهى حفل الربيع اليمني الأول خجولا في عامه الأول، وفي صنعاء دون عرش بلقيس وخاتم سليمان، وفي عدن بهزّة بدن لابن اليمن.! .. وبضبابية غامضة ومشبوهة تسأل وتجيب في آن واحد: "هل تنحّى علي عبدالله صالح من الحكم أم إنه اختفى من الشاشات فقط.؟!!
ثم، وإن كان (صالح) لم يعد هو الذي يحكم اليمن، فمن يحكمها إذن يابن اليمن.!
تفجيرات يوم اليمني الأخير بالزوبعة والقلاقل والفوضى والهراوات، يوم الاحتفال بمناسبة مرور الحول الأول على تنحّي علي عبدالله صالح، ذكرني هذا اليوم تصريحا له يوم كان رئيسا لليمن، وأدلى به لإحدى الوكالات الفرنسية أن "من يحكم اليمن كمن يرقص على رؤوس الأفاعي والثعابين!".
ويبدو لعقلي المتواضع الآن، ان المحلّلين يومذاك لم يدركوا مغزى كلامه الغامض ذي السلاحين، انه حدد موقع الرقص رؤوس الأفاعي لا أجسادها، يعني انه كان يمسك تلك الأفاعي من رؤوسها، ويترك أجسادها مهما تتراقص رقصة الاحتضار.!
منذ عام والجماهير اليمنية برمّتها ترقص على رؤوسها، من جمعة لجمعة، من ميدان لميدان، من حراك لحراك، ومن حزب لحزب.! .. الغموض يسودها جنوبا وشمالا .. التفكّك الداخلي والتدخّل الخارجي أحرقا العاصمتين صنعاء وعدن وبعثر الريح رمادهما.!
المستقبل قاتم جدا لليمن الشقيقة جنوبا وشمالا،- حسبما يظن الكاتب - إلا إذا تغير كل شيء، وان ما نراه عن بُعد برؤية خارجية، غير الواقع المأمول اليمني الذي يرونه ولا نراه! .. أو أن ما يروه اليمنيون من الداخل بفراسة يمنية لايفهمهه غير اليمنيين من الداخل، خاصة والعقل اليمني يكرر عادة أقوال أنه فارس فرسان العقول في الجزيرة العربية. وأن له قصب السبق في كل الميادين.!
أخي وابن عمي لم تحب السلاح لبسا ضمّا، وتحب المال حبّا جمّا، ويا حبّذا لو تتيح مساحات ولو بسيطة للعقل بين هذا المال وذلك السلاح في قريتك وحارتك يوما، وفي صدرك وعقلك الباطني أياما وأياما.! .. فلو خرجنا قليلا من القرية والحارة، لوجدنا شوارعك أيضا يا ابن العم تنطق بالسلاح والسلاح المضاد يوما عن يوم، وبالهروالات الحراكية الجنوبية تارة والشمالية تارة.!
كنّا نراقب عشية الخميس تنظيم مسيرات مساندة وأخرى مضادة على تلك الشوارع، عندما اعتقلت شرطة اليمن عضوين بارزين من الحراك الجنوبي في عدن، عشية تنظيم المسيرات واجهتها تنظيمات هي الأخرى منافسة مضادة من الجانب الآخر الذي يطالب بالانفصال.! .. وفي اليوم التالي انقلبت الأوضاع رأسا على عقب، عشرات الآلاف من اليمنيين الجنوبيين بدؤوا في التوافد على ساحة العروض في عدن، تلك العروض التي تحولت من مظاهرات إلى مهاترات استدعت الاسعافات الطبية والمستشفيات والنعوش للقتلى والجرحى.!
ترى أين هي فراستك يابن اليمن عن ساحة العروض سميتموها (مليونية الثورة) الم تكن هي مؤامرة تؤدي بك وبالوطن إلى المقابر والمستشفيات من الوطن إلى أين الوطن؟
اليمنيون أذكياء، ولعلّهم خطوتين امامنا في القطار الخليجي، يرون ما لانراه، يعلمون ما لانعلمه، يخططون للبعيد لما هو بعيد عنا فهما ومنالا، وأعتقد عندما لامس إنسان الأرض في محاولته الأولى الصعود إلى سطح القمر برواد الفضاء في مركبة أبولو11، أعتقد يومذاك ابن اليمن هو الآخر كان مشغولا بآفاق أخرى هي الأخرى خارج الفهم والمنال لأهل الأرض والفضاء.! ولعل رواد الفضاء الذين رأوا سور الصين العظيم على الأرض من سطح القمر، عجزوا عن رؤية غابات مزارع (القات) في اليمن العظيمة .. لعلهم الرواد كانوا منهمكون في تقييس سطح القمر بالأذرع والأقدام جيئة وذهوبا، حين كان ابن عمي اليمني منهمكا في ابتلاع (القات).! تلكم النبتة السحرية التي تقرّب البعيد وتذوب الحديد، تراويك نجوم السماء في ضوء النهار، وتأتي بالشمس والقمر إليك دون عناء السفر إليهما بمكوك الفضاء .. ويوم هبط إنسان الأرض في محاولته الثانية سطح المريخ، واصل عقلاء اليمن في جلساتهم الثانية حول (القات) مطالباتهم بأحقيتهم لأراضي الشاسعة على المريخ بالميراث.!
نحن مع هكذا العقلاء من أبناء عمومتنا، إذن لا خوف عليهم بالأبدان والأوطان والأديان، فاليمن لا نخشى منها ولا يُخشى عليها برقعتيها الجنوبي والشمالي، تعميرا وإصلاحا قبل أن تتجه لاستلام ميراثها من المريخ.
لكن الخوف علينا وعليها معا وفي آن واحد، من ذلك (العفريت) الذي يقول لرب البيت أنا آتيك بالعرش قبل أن تقوم من مقامك! ولن يتقدم على العفريت ذلك (الذي عنده علم من الكتاب) ليأتي بالعرش قبل أن يرتدّ إليك طرفك يا صنعاء ويا عدن