شهدت اليمن ثورة شعبية شبابية عام2011م، حيث خرج ملايين اليمنيين إلى ساحات التغيير والحرية بغية تغيير النظام بفساده بنظام آخر يحرر المجتمع من سطوة الفساد، وبالتالي الثورة ضد رئيس الدولة وأركان نظامه لم تكن تقصدهم بشخوصهم فهم يمنيون تحملوا مسئولية إدارة الدولة لعقود ففشلوا وأوصلوا اليمن إلى أن أصبحت واحد من دول العالم الهشة والمهددة بالفشل، تلك هي الإشكالية التي خرج من أجلها عموم أبناء الشعب إنها الغاية الوطنية وليس الشخصية فالأشخاص زائلون والوطن باقٍ.
الإشكالية التي نعاني منها اليوم أن شريحة واسعة من الذين خرجوا 2011م يبدو لم يكونوا على وعي بأهداف ثورة الشباب المرتكزة على إسقاط النظام الفاسد وتغييره بنظام نظيف يحترم النظام والقانون ويحقق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.
نود التأكيد قبل طرح الموضوع أن للثائر مواصفات منها الصدق والأمانة وحب الوطن والوفاء له وتفضيل العدل والمساواة والقانون على ما سواهما، وإن تعارضا مع مصلحة شخصية أو حزبية هذا ما نفهمه من الثورة، أما المبررات الواهية التي يسوقها البعض فلا علاقة لها بفكر الثورة.
في ساحة التغيير بصنعاء احتشد مئات الألاف يرددون الشعب يريد إسقاط النظام(مع تفضيلي لكلمة تغيير النظام)، صديقي كان بجواري بح صوته في العديد من المسيرات وهو يصيح الشعب يريد إسقاط النظام بل ويفاخر أنه لا يبرح الساحة ويغامر في الصفوف الأولى للمسيرات...إلخ، صديقي العزيز كنت أتبادل معه الحوار عن الوطن الذي نريد نريده وطن خالٍ من الفساد نريده وطن تتحقق فيه الحدود الدنيا من العدالة الاجتماعية...إلخ من الطموحات التي نأمل أن نرى وطننا الحبيب عليها.
بعد مرور 2011م،2012م جاء2013م وحصل صديقي على منصب من فتات المناصب الذي جاء له عبر التوافق والتقاسم الحزبي، وهنا بدأ الاختبار صعد على كرسيه الدوار، تأمل الناس فيه خيراً وقالوا الآن سيبدأ بتصحيح الأوضاع التي كان يؤكد على فسادها كونها جزء من النظام الذي بح صوته لإسقاطه، في الاختبار الأول وجد ممارسات فساد مخالفة للقانون نفذت خلال السنوات الماضية بتوجيهات الرئيس السابق، وإذا بصديقي في اللقاء الأول يقول لا يمكن أن تمر وفي اللقاء الثاني يقول أنا مع هذه الفكرة كونها الأصوب؟! عجيب أمرك يا صديقي ألم يجف ريقك وأنت تقول الشعب يريد إسقاط النظام والشعب يريد إسقاط الفساد!!! بعد ذلك عاتبه بعض شركاء الثورة فرد عليهم نحن في مرحلة(سددوا وقاربوا...اثابكم الله!!!) ولم يقف عند هذا الحد بل واصل المخالفات التي كانت تمارسها السلطة السابقة بلا هوادة، وبالتالي لم يرى الناس أي تغيير في إدارته...
أين كلامه السابق أين ثوريته هل معقول أن فتات المناصب يقيد العقول والألسنة والقلوب إلى هذا الحد، من المؤسف أن الكثير من هؤلاء بدأوا يتعايشون مع الفساد ويرتبون أوضاعهم مع رموز السلطة السابقة الادارية، في تناغم عجيب لم يجد معه فاسدوا ما قبل 2011م أي صعوبة في الاستمرار بفسادهم مع مدراء الثورة الجدد القادمين من ساحات التغيير والحرية.
لقد وجهت لقوى الفساد ضربة قوية بداية2011م دفعت الكثير منهم لترك الوطن وحمل ما خف وزنه وبيع ما ثقل وزنه، ولكن ومنذ النصف الثاني لعام2011م وبعد أن تمكنت بعض قوى الفساد من التوغل في ساحات التغيير والحرية غيرت تلك القوى من سقف خوفها العالي من الثورة، وبدأت معركة رد الاعتبار من خلال فرض الشروط على القوى الثورية عبر المبادرة الخليجية بمراحلها المختلفة، ثم تمكنت من التوقيع على تقاسم حكومة الوفاق وشرط تسليم السلطة عبر الصندوق والذي يحتفل به اليوم الرئيس السابق وأنصاره في ميدان السبعين، وكذا منح الحصانة لأركان السلطة السابقة.
إن للثائر خصائص وصفات تجعل مواقفه ثابتة راسخة لا تتبدل، الثائر يقع دائماً في المنطقة البيضاء فكلامه دائماً متوافق مع النظام والقانون والعدالة الاجتماعية، الثائر الحقيقي إن تقلد منصب ما أحدث تأثيراً ايجابياً فيه لخدمة وطنه وشعبه، أما الثائر الورقي فالرياح تحركه يمنة ويسرة تجده دائماً في المنطقة الرمادية، إن وجد الناس ينهبون قال ننهب كما ينهبوا إن وجدهم يغشون يقول نغش كما يغشون، وإن وجدهم يمدحون الثورة والثوار قال نمدح كما يمدحون، تجده يختلق التبريرات ليبقى على كرسيه الدوار كأن يقول نحن في حالة وفاق ووو...إلخ ..
ولا ندري ما علاقة الوفاق بفساد بمقدوره تغييره، وصديقنا هذا إن وجد العامة يمدحون مستبديهم ظل صامتاً كأنه موافق على ما يقولون...ذاك هو الثائر الورقي...أرجوا من هؤلاء أن يتذكروا أن وصولهم إلى المناصب لم يكن ليحدث لولا مئات الشهداء وألاف الجرحى ومئات المعتقلين...عليهم أن يدركوا أن التسوية السياسية لا تعني أبداً التراجع عن أهداف الثورة الشعبية في محاربة الفساد والظلم والقهر الاجتماعي.. نقول ذلك ومشاهد دماء الشباب الطاهرة الزكية لم ولن تتحول يوماً ما إلى طلاء جدران...نناشدهم الانحياز إلى الشعب الطيب الصابر المغلوب على أمره فمطالب الشعب لم تكن في أي يوم محصورة في سقوط الأشخاص بل في سقوط الفساد برموزه وأدواته.