يتهيأ الكثير من اليمنيين لمعرفة ما إذا كان الحوار الوطني سيعقد في موعده المعلن رسمياً في 18 مارس من العام الجاري، وما سيتمخض عنه من نتائج، غير ان بعض الناس - إن لم يكن الكثير منهم - لا يفرطون في التفاؤل ولا يعلقون آمال كبيرة على الدور الذي سيؤدي إليه هذا الحوار في التعامل مع الملفات الساخنة مثل الوحدة اليمنية والقضية الجنوبية والحراك القائم والمتعاظم هناك في جنوب اليمن منذ فترة طويلة والقضية الحوثية وخروج محافظة صعدة عن سيطرة الدولة وما يعانيه أهلها على مدى سنوات من نزوح وتهجير والفساد المستشري في كل مرافق الدولة وطبيعة الحكم القادم في اليمن والإنفلات الأمني والمظالم التي حدثت ومازلت تحدث في أنحاء اليمن دون تمييز إلى آخر ذلك من الملفات الساخنة والمزمنة التي استعصت عن الحل وباتت تهدد كيان اليمن برمته.
هذا الشعور له ما يبرره عند بعض الناس فقد كانت هناك حوارات وحوارات متتالية في السابق لم تفضي إلى أي نتائج ملموسة تؤدي إلى خلق أجواء سياسية مستقرة وانصراف الناس إلى البناء والتنمية بحيث تتحسن معيشتهم وتُشعر المستثمرين بأمان واطمئنان وتبدأ اليمن تخطو خطوات ثابتة نحو التقدم والرقي في كافة المجالات بدلاً من الصراعات السياسية المختلفة والأزمات التي لا نكاد ننتهي من واحدة أو نضعها جانباً إلا وظهرت أخرى أنكى وأفدح. فلم يعد المواطن اليمني يجرؤ حتى أن يحلم مجرد حلم أنه سيأتي يوم على اليمنين يعيشون فيه بأمان وطمأنينة مثل بقية عباد الله في دول الجوار على الأقل بعيداً عن الكوارث الاجتماعية والإقتصادية والسياسية التي نخلقها عبثاً يوماً بعد يوم بأيدينا.
لذا، من أجل أن يُؤتِي الحوار الوطني القادم أُكلُه، أرى من وجهة نظري المتواضعة وغير الملوثة بالحزبية أن يتفق المتحاورون على مبدأ مهم للحوار وهو أن يخلعوا ثوب الحزبية والعداوة والبغضاء بصدق وأمانة قبل الجلوس على طاولة الحوار وأن يكون شُعورهم بل شِعارَهم أنهم أصدقاء لا أعداء اختلفوا على كيفية حل القضايا والكوارث التي تحدق باليمن من كل جانب واتفقوا أن يجلسوا ويتحاوروا وأن يضعوا مصلحة اليمن واليمنيين فوق كل المصالح الشخصية والضيقة إذا كانت اليمن وأهلها فعلاً يمثلون هَمْ وأهمية كبرى بالنسبة لهم، وإلا فلا دعي لبيع الوهم لهذا الشعب المطحون والتلاعب بأحلامه وآماله مرة أخرى بحوارات الطرشان التي لا ستمن ولا تغني من جوع وتمثل مضيعة للوقت وترحيل للبلاوي التي يعاني منها المواطن اليمني البسيط في جميع أرجاء اليمن الذي لا تهمه السياسة ولا الساسة من كل لون وإنما لقمة العيش الكريمة له ولأفراد أسرته.
وإليكم ترجمة شخصية لقصيدة بعنوان شجرة السم (A Poison Tree) للشاعر البريطاني ويليام بليك الذي وُلد في لندن في 28 نوفمبر 1757 وتوفي في 12 أغسطس 1827م. أرى أنه إذا اطلع المتحاورون على فحوى هذه القصيدة وتعمقوا في فهم معانيها سيتفقون على مبدأ مهم في الحوار على قاعدة أصدقاء لا فرقاء أوأعداء ليتسنى لهم الحوار المثمر والخروج بنتائج تلبي طموح وآمال وأحلام أبناء اليمن وتطمئنهم أن أبناء اليمن المخلصين لا زالوا يملكون من الحكمة والحب لوطنهم ما يجعلهم يتسامون فوق كل جراح الماضي والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة ويضعون مصلحة اليمن فوق كل المصالح والاعتبارات.
شجرة السُّم
غضبت من صديقي:
بحت له بغضبي، فتلاشى وانتهى،
وغضبت من عدوي،
ولم أبح بغضبي، فازداد وترعرع ونما.
ومن مخاوفِ رويت غضبي،
صبح مساءِ بأدمعي،
وواريته بابتسامات مضللةٍ،
وغلفته بخدِعِ ماكراتٍ مغريةٍ.
فنما صبح مساءْ،
ليثمر تفاحة نضرة تفوح بهاءْ.
أغرت عدوي، فخالها يانعة وهوى.
وحين عرف أنها لي، سال لعابه واتكل ونَوى،
فتسلل إلى بستاني واختفى
حين جنًّ الليل وبحلكة الظلام اكتسى؛
وعند الصبح رأيته يا لَسَعادتي الغامرةْ
ملقى تحت الشجرةْ!
كما ترون، يا إخوة الدم واللغة والعقيدة وفوق كل هذا وذاك أبناء وطن واحد يجب أن يكون غالي علينا جميعاً ونضحي بالغالي والنفيس من أجله ونتنافس منافسة شريفة ونضرب الأمثال في العمل على ما يبرهن على حبنا وليس على مدى حقدنا وكراهيتنا له، فالقصيدة تصور الشعور الإنساني الذي ينتابنا جميعاً ألا وهو الغضب وتقدم مقارنة بسيطة لكيفية التعامل مع هذا الغضب إذا حدث بين الأصدقاء بالصراحة والمكاشفة ومن ثم العفو والصفح وينتهي الأمر وكأن شيئاً لم يكن، وكيف أن إخفاء وإضمار الغضب للعدو يعمل على تفاقمه ويؤدي إلى إضاعة الوقت والجهد والطاقة في الكراهية والبغضاء والحقد والإنتقام الذي قد يبدو أنه انتصار على العدو للوهلة الأولى ولكنه في الحقيقة يدمر الجميع بلا استثناء.
إذاً، آمل أن تكون الرسالة واضحة وأن الحوار على قاعدة أصدقاء لا أعداء بصدق وأمانة في مؤتمر الحوار الوطني القادم قد يضع اليمن على الطريق الصحيح وعلى أعتاب بناء يمن جديد يَحل المعضلات المستعصية ويَجعل المواطنة متساوية ويجعلنا ننصرف إلى البناء والتنمية في كافة المجالات بدلاً من المناكفة السياسية والاقتتال وسفك الدماء اليمنية الزكية صبح مساء بدون أي مسوغ ومبرر يذكر.
هل هناك أُذن تسمع، وضمير يخاف الخالق مما يحدث في هذا البلد ويفزع، وعين لا يروقها ما يجري فتتأثر وتدمع، وعقل فيه من الحكمة ما يجعله يهاب ما قد يحل بنا جميعاً دون استثناء ويتورع؟