السياسة فن الممكن ، وفن الحكم وإدارة الصراع ، والسياسة هي توليفة من الأهداف تخص المجتمع بشكل عام تعتمد على ما يتم امتلاكه من أوراق القوة التي تستخدم بشكل حكيم عبر المساوامات والتنازلات والضغط لتحقيق تلك الأهداف..
إن الإنطلاق ضمن هذا الإطار يحتاج أيضا إلى الساسة الذين يتمتعون بقدر كاف من الذكاء والقراءة الصحيحة للواقع وبالتالي عدم الإندفاع والمغامرة بل ترك كل الخيارات مفتوحة ومن ضمنها خيار العودة إلى مربع سابق للمناورة وكسب الوقت وإلا كان ذلك انتحارا ..!!
المتأمل جيدا فيما يجري وما جرى من أحداث والمتابع لسياسة السيد علي سالم البيض يجده ضرب عرض الحائط بكل فنون السياسة مذعنا لأهواء شخصية ونزعة انتقامية صرفة وعاطفة طاغية.
جاء البيض بعاطفة الرجل الزاهد تسيطره عليه عاطفة آنية وقدم دولة وشعب دون دراسة للتباينات الإقتصادية والإجتماعية وما ترتب على حقبة زمنية من التشطير أو رؤية مستقبلية وبالتالي ضمان وجود نظام سياسي يكفل التمثيل الفعال لأبناء الجنوب الذين يشكلون ما نسبته 20% من السكان وشريحة واسعة من المواطنين الذين يعتمدون كليا على الدولة لم يجربوا المعترك الرأسمالي، علي البيض لم يفق من عاطفته إلا حين فرض الأمر الواقع نفسه وأطلت النتائج الحتمية برأسها فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق وحين أراد تدارك أخطائه الفادحة كانت سياسة الأمر الواقع قد فرضت نفسها وسبقته أياد مفرغة من العواطف تجيد اللعبة السياسية وتمتلك أوراق اللعبة.
حدث ما حدث.. ووحده البيض بسياسته الرعناء وعاطفته يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية لأحداث حرب 1994م حين مكن الطرف الآخر من أوراق اللعبة كلها وانفرد هو بعاطفته التي للأسف ( لا تؤكل عيش )...
للأسف لا يتعلم البيض قط ولا يقرأ الأحداث ولا يتصرف ضمن الممكن، بل يغلق الأبواب كلها خلفه مندفعا إلى الأمام مغامرا واضعا رهانه في كفة واحدة ولا يترك له خط عودة أو يدخر شيئا لتلافي الخسائر الفادحة..
جاء راكبا موجة الشارع الجنوبي والحقوق المشروعة ليطل من جديد محاولا تصفية ثأر شخصي على حساب أمةٍ بأكملها وعلى حساب الشارع الجنوبي تحديدا فلم يحاول لملمة أخطائه والتكفير عنها بعقلية متأنية تغلب مصلحة أبناء الجنوب على مصالحه وثأره الشخصي بل قفز للتحالف مع أنظمة ومنظمات مقصية وإرهابية وطائفية لا تقدم شيئا إلا بأثمان باهضة فسلم نفسه باتفاق مشروط إلى نظام الحوزات لا يعطيه حق الإنفراد بالقرار أو العودة إلى مربع متأخر للمناورة..
البيض اليوم مجبور على المضي قدما نحو الإنتحار البطيئ وهو اليوم يقف بين مطرقة الشرعية الدولية وسندان الحرس الثوري الإيراني ...!!