آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

مؤتمر الحوار.. خارطة الطريق

يحق لنا اليوم أن نتساءل هل كان المدنيون في اليمن يمتلكون مشروعاً للتغيير ولما بعد التغيير؟ ولنفترض أنه كان لديهم، فلماذا لم يظهر للعلن؟ باختصار كان للقاء المشترك أفكار تطرح لا تخرج عن إصلاح الحكم في اليمن، لم يكن هناك مشروع واضح المعالم للتغيير.

المؤسسة العسكرية كانت تمتلك مشروعاً للتغيير، لكن نسبة الخطأ فيه يجب أن تكون أقل من الصفر، ولذا تأخر هذا المشروع وظل محصوراً بين نخبة عسكرية فقط.
ثورة تونس ومصر أيقظت اليمن من سباتها وتحرك الشارع الموغل صدره من قبل المشترك، ولنفس أسباب ثورتي مصر وتونس كانت الأسباب الموضوعية لثورة اليمن، لكن تأخر الثورة في اليمن جعلت البعض يقول إنها تقليد، وهذا القول صحيح إلى حد ما، لكن توفر الأسباب الموضوعية للثورة، وهي تتوزع بين أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية تجعل فكرة التقليد خفيفة الوقع.

كل هذا يقودنا إلى أنه لا معنى لأن يدعي البعض أن ثورة التغيير 11 فبراير هي امتداد لحراك الجنوب ولا حرب صعدة، تلك الادعاءات ليست سوى أيديولوجية للتربح على حساب ثورة مغايرة في أهدافها وتوقيتها وسلميتها، فحراك الجنوب ليس كتلة واحدة وكل خمسة أشخاص لديهم مطالب مختلفة، واحد حقوقي والثاني فك ارتباط والثالث جنوب عربي والرابع وحدة اندماجية والخامس تجميع لكل ما سبق.

كما أن حروب صعدة كانت محصورة في رقعة بعيدة تحارب فيها جيش وطني مع ميليشيات مدعومة من الحرس الجمهوري بشكل أو بآخر، وعندما شارك تيار الحوثي في بعض الفعاليات والمسيرات الثورية كان مفهومهم يختلف عن مفهوم كل القوى الثورية، فقد كانوا يظنون أنفسهم امتداداً لثورة الحسين رضي الله عنه وأتوا بقناعات ماضوية لا ترتبط بواقعنا اليمني ولا تنسجم مع أحد منا.

أتت الثورة السلمية كانفجار بوجه الكل فرفع المشترك مطالبه ونضم صفوف الثورة؛ لأن شبابه هم الأكثرية المطلقة في الشارع، واستطاع أن يجعل الثورة أكثر سلمية وحكمة، كما أن انضمام الجيش للثورة هو من أدخل الرئيس هادي كلاعب أساسي في إخراج علي صالح من منظومة الحكم بطريقة سلمية، فمهما كان الجيش لا يقتل بعضه، وحاولوا إخراجه بماء الوجه إلى أن قبل بالخروج بعد ضغط دولي بغطاء إقليمي بحت.

منذ بداية الثورة كان الجيش اليمني والسفير الأمريكي والمشترك وسفراء الدول الراعية للمبادرة يرتبون الأمر لمرحلة انتقالية، وما يهمنا اليوم هو كيف نستطيع كمدنيين أن نقنع الجيش اليمني بتسليم السلطة للمدنيين بعد أن سيطر عليها منذ عام 1974 بالانقلاب الذي لم يكن له داع على الرئيس الإرياني.

عداء الجيش لا يجدي نفعاً، نحن بحاجة إلى حالة من التصالح كيمنيين عسكريين ومدنيين، ومؤتمر الحوار هو المنقذ الوحيد لإخراجنا من هذه الحالة، والجيش اليمني شبه مقتنع بأن البلد بحاجة إلى رؤى اقتصادية وإدارية لا يمتلكها هو، وهذه أهم نقطة التقاء بين المدنيين والعسكريين لمصلحة البلد. بالإضافة إلى أن الحرص على إنجاح مؤتمر الحوار من قبل الجميع سيسهل وضع الحلول وخارطة طريق لهذا البلد الذي أوقعه قادته في مآزق وممرات ضيقة منذ خمسين عاماً إلى الآن.

في تقديري إذاً بدء مؤتمر الحوار في يوم 18 من هذا الشهر سيكتب له النجاح بلا شك، وستكون البلد بكل مكوناتها قد وصلت إلى أعلى درجة من درجات المسؤولية، كما أن لائحة مؤتمر الحوار الداخلية وضعت له آلية شبه محكمة الإغلاق لتجنب فشله، وهذا مبشر بجدية الحوار، أيضاً تم تحديد النتائج التي يجب أن يتوصل إليها الحوار مسبقاً.

سيضع المؤتمر خارطة طريق لكل هذه القضايا: “تحديد عملية صياغة الدستور ووضع العناصر الرئيسة للإصلاح الدستوري، ومعالجة قضيتي الجنوب وصعدة، وتحديد خطوات بناء النظام الديمقراطي وإصلاح نظام الخدمة المدنية والقضاء والحكم المحلي، والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وتعزيز حماية حقوق المجموعات الضعيفة والنهوض بالمرأة وتحديد أولويات برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة”.
التحدي الذي سيلي المؤتمر هو في القدرة على تنفيذ خارطة الطريق.

زر الذهاب إلى الأعلى