طيلة سنوات التخاصم الشرس بين المؤتمر والإصلاح، كان كل طرف يعبئ ضد الآخر لكن بطرق متباينة إلى حد ما.. فالإصلاح كان يركز في تعبئته لأنصاره على شخص علي عبدالله صالح وليس المؤتمر ككل. وهذه التعبئة آتت أكلها خلال العام 2011. بينما كان المؤتمر يعبئ أنصاره ضد الإصلاح والاصلاحيين عموماً، وليس ضد أشخاص أو أجنحة أو مواقف، وهي تعبئة لازالت تؤتي أكلها إلى اليوم وتحول دون أي تقارب بين هذين المكونين الوطنيين بغية الوصول إلى كلمة سواء بينهم حيال القضايا الكبيرة التي هم متفقون حولها من الناحية المنهجية والنظرية، وهي قضايا تحتاج إلى نوع من المؤازرة خلال مؤتمر الحوار الوطني المقرر انطلاقه بعد أسبوعين من الآن.
ولأن المراد من مؤتمر الحوار هو أن يكون ورشة عمل كبرى لرسم ملامح مستقبل اليمن وصوغ قواعد جديدة تعيد تنسيق العلاقات بين المتنافسين فيه، فإن مخاطر تعتريه من أن يتحول إلى مناسبة للمكايدة و«المكارحة» بين القوى الوطنية يستفيد منها أصحاب المشاريع القروية والطائفية، خصوصاً وانه لم يسبق بمصالحة من أي نوع، تزيح عنه شبح التهاتر والتهافت في حظيرة الانتقام النتنة ومنحاها العبثي الخاسر، من هنا يبدو واجباً التأكيد على ضرورة التفريق المسبق بين الثوابت الناظمة لليمن والثارات الخاصة بالأشخاص والمكونات حتى لا تُذبح الثوابت على مقصلة الثارات. إيثاراً لما هو باقٍ على ما هو زائل.
هذه المخاطر المتوقعة قائمة على قراءة مسؤولة ومبسطة لمحتوى الاحتقان الناجم عن عملية التغيير التي أقصت صالح من الرئاسة وأبقت عليه فاعلاً مؤثراً في قمة الهرم الحزبي للمؤتمر الشعبي العام الذي تنتظره فرصة تاريخية ليكون عاملاً مرجحاً لأغلب القضايا الوطنية الكبيرة خلال مؤتمر الحوار.. وهي فرصة لن يستطيع المؤتمر اقتناصها ما لم يخرج من ضيق الثارات إلى سعة الثوابت، والمؤتمر برأيي يمتلك قدرة ذاتية على إنجاز هذا الخروج واقتناص تلك الفرصة الذهبية، ما لم فهو يقتل آخر ضوء في عروق محبيه، ويشمت خصومه فيه، ويثبت لهم أنه ليس سوى «مجموعة الأشخاص الذين كان يحتاجهم الرئيس» (بتعبير محمود ياسين)، أو أنه «تنظيم فضفاض لا تحركه عقيدة خلاقة للطاقات النضالية» (بتعبير حسن العديني)، أو أنه مجرد «حصّادة دوائر» (بتعبير علي عبدالله صالح).
«أخشى أن نترك الإصلاح وحيداً في مؤتمر الحوار».. خلاصة مؤثرة قالها أحد كوادر المؤتمر الشعبي لا ينبغي أن تمر على قياداته مرور الكرام.