آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

مطبخ صناعة القرار بين الغفلة والحيوية

لا بد من التسليم أولا والاعتراف بأن ظرف مجيء الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى سدة الحكم في اليمن كان وما يزال أصعب وأخطر ظرف مر باليمن خلال مائة سنة على الأقل . وقد يقول قائل : إن كل الرؤساء السابقين يزعمون هذا الزعم، وينسبون الخطورة الشديدة والتاريخية إلى ظروف مجيئهم، ولكن.. شتان بين فترات الماضي على تنوعها وخطورتها، والفترة الحالية التي تضع اليمن على مفترق أو منزلق طرق خطر جدا . وشديد الوعورة والغموض، بينما تقبع الهاوية على جانبي الطريق فاغرة فاها لأبسط خطأ من غفلة م أو هفوة، أو حتى إغفاءة !

‏ لذلك، فإن التنبه واجب، واليقظة فريضة !.. هذه أقدار الرجال، وهذه ظروف الأوطان .. ومن أقدار الرئيس عبدربه منصور هادي أنه تسلم دفة الحكم بعد مبادرة إقليمية باركها مجلس الأمن، ومن ظروف هذا الوطن أنه في هذه الأثناء يعيش أزمة خانقة على كل المستويات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية .. وأن الهاوية على الجانبين !

إن المبادرة الخليجية لم تضع كل النقاط على كل الحروف ! والأرجح أنها وضعت بعض الكلمات على بعض الأ سط ر وهذا طبيعي، لأن غايتها رسم أهم معالم الطريق، وليس كل تفاصيله ومنحنياته : وبالتالي، فإنها تركت معظم التفاصيل لصانع القرار ومؤسساته .. ، ومن ذلك، قضايا إدارة الدولة في حدودها الدنيا على الأقل : مثل المسألة الأمنية، ومرافق الخدمات وحمايتها، وحل مشكلة المرور، وتفعيل الثواب والعقاب، ومحاولة تعظيم الدخل القومي، وتغيير المحافظين النائمين، والوزراء الغائبين لأسابيع وأشهر ! وتنظيم أحوال الشارع اليمني الذي أصبح صورة من صور يوم الحشر , فالناس سكارى ومآ هم بسكارى ! لأسبابهم الاقتصادية والنفسية، وحتى بسبب عوادم ودخان وأصوات الدراجات النارية ! وعوادم الفضائيات والجرائد والملصقات .

لا يمكن ولا يجوز أو يليق أن نعلق كل شيء على مؤتمر الحوار، بما في ذلك معاقبة مجرمى ضرب أبراج الكهرباء، وأنابيب النفط والغاز، وقطع الطريق، ونهب المسافرين !.. لا بد من ملاحقة ومعاقبة كل من أجرم في حق هذا البلد، لأن قاطع الطريق يظل قاطع طريق ولن يكف عن إجرامه قبل الحوار أو إثناءه أو بعده !

إن مطبخ صناعة القرار السياسي في اليمن له تاريخ عجيب وغريب ! رؤ ساء حكومات ووزراء يتم تعيينهم في الغالب لأسباب مناطقية , أو أسرية .. وبعض القرارات تو إلى عليها أربعة وزراء من أسرة واحدة ! وأظن أن ذلك كان نهاية عهد .. ونهاية مرحلة .

الآن هناك ما هو أسوأ ! فلا رقيب ولا عتيد : لأن التوافق يتطلب عدم الانتقاد وإلا فإن التوافق في خطر ! كأن التوافق اتفاق على المواطن، وأحلامه في حياة كريمة وعزيزة !

هل مصدق أحد أن موظفا في قطاع حكومي / مختلط يتقاضى شهريا ورسميا ما يتجاوز سبعة ملايين ريا ‌ ل : محرد مرتب ونثريات مكتب ! وأنه يحكي لزواره أن ذلك مجرد 50 ‏% من مستحقات سلفه ! وأنه أصدر قرارا بذلك فور تسلمه العمل ! بمعنى أن سلفه قبل ثورة الشباب كان يستلم أربعة عشر مليون ريال شهريا ورسميا، عدا سفريات، وأمور أخرى !.. إن هذه المهزلة لا يمكن أن تحدث في أغنى دول العالم، ما بالك ببلد يتضور جوعا مثل اليمن، وشبابه الذي لا يجد في جيبه الالف ريال ربما لأشهر كي يتواصل على حافلة من وإلى الجامعة .. وتحدث مثل هذه المهزلة بعد ثورة الشباب وباسمهم ! لقد أصبح نصف المارة في الشوارع يمد يده العزيزة للسؤال، بينما يتقاضى أحدهم الملايين من الريالات مرتبا شهريا : ياللهول .. حقا وصدقا!

لا أحب للرئيس عبدربه منصور هادي أن ينكفئ فقط على الشاغل السياسي رغم إلحاحه وأهميته .. أو أن ينعزل بسبب كسل الطاقم القريب منه، فحيوية القريبين منه شديدة الأهمية للوطن والمواطنين، فقد اشتكى لي كثيرون .. مسؤولون، ووزراء وأكبر من وزراء ! وسفراء في الخارجية، أن لا أحد يرد عليهم !.. وكأن عدوى عدم الرد ضربت كل شيء في البلد من وزير الداخلية الطيب وصولا إلى وزير الإعلام الأطيب ! وكل الطيبين المزحومين في العمل .. في زحام لا أحد فيه !

Back to top button