لم ينجح جمال بن عمر، الموفد الأممي إلى اليمن في اقناع «جناح» رئيسي في الحراك الجنوبي وهو جناح نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض، بالمشاركة في الحوار اليمني الموسع الذي سيلتئم الاسبوع المقبل في دبي (18/ 3) بعد ان اعاد البيض في رسالة موسعة ومفصلة الشروط الواجب توفرها لمشاركة كهذه، يجب وبالضرورة - في نظره – ان تفضي إلى فك الارتباط بين الشمال والجنوب وخصوصا انه طالب بأن تجري المفاوضات بين جمهورية اليمن الديمقراطية ودولة الجمهورية العربية اليمنية اضافة إلى ما نقله مَنْ اطلعوا على نص الرسالة التي تم تسليمها إلى بن عمر يوم اول من امس، قبل ان يغادر ممثلو «البيض» قاعة الاجتماع، وهو ادخال قوات دولية بهدف خلق مناخ سياسي ملائم للحوار والعمل على إلغاء الاحكام الصادرة ضد السياسيين والصحفيين ناهيك عمّا حفلت به الرسالة من اشارات ورسائل وغمزات تشي كلها بأن لا رجعة لدى البيض وانصاره عن مطلبهم باستعادة «الدولة» التي بادروا هم إلى «تذويبها» في الدولة الجديدة عام 1991 حيث لم تستطع دولة الوحدة هذه، «الصمود» سوى ثلاث سنوات ما لبث الطرفان ان خاضا حربا ضروسا اسماها ديكتاتور اليمن السابق بأنها حرب الوحدة (1994) استطاع خلالها ان يكسر شوكة «المعارضة» التي انحصرت في تشكيلات حزبية سياسية جنوبية ما ادى في النهاية إلى فرز «جغرافي» واحتقان بات شعار الانفصال يتصدر المشهد في الجنوب وزادت من حدته انتفاضة «ميادين التغيير» التي اطاحت في النهاية برأس النظام في صنعاء عبر المبادرة الخليجية التي شكلت طوق نجاة لصالح وزمرته، الا انها ابقت اليمن في دائرة الاستقطاب الثنائي الذي يصعب رأب الصدع فيه حتى من خلال بعض الحلول المطروحة ولكن في شكل غير جدي أو ربما تسريبات مقصودة أو بالونات لرصد ردود افعال جهات داخلية وخصوصاً خارجية، لأن «شكلاً جديداً» لليمن يأخذ طابع الفيدرالية أو الكونفدرالية، سيؤثر بهذه الدرجة أو تلك على مجمل المشهد الإقليمي.
الحوار اليمني المقرر الاثنين القريب، لن يحقق درجة النجاح المطلوبة والكافية لاخراج اليمن من ازماته المتعددة افقياً وعامودياً، لأن جدول الاعمال مزدحم ومتفجر وايضاً في ان «مسألة الجنوب» ستكون المؤشر والمعيار على امكانية الخروج من مربع الازمات التي تعصف بهذه الدولة العربية الفقيرة والمرشحة بقوة للادراج على قائمة الدول الفاشلة، بعد ان خذلها «اصدقاؤها» الكثر (من المانحين والاوصياء حتى لا ننسى) الذين التقوا اكثر من مرة وتبرعوا بالمليارات لكن شيئاً منها لم يصل، والذي وصل كان ضئيلاً لا يكفي لسد ابسط حاجات بلد منكوب، متعثر الاقتصاد وضحية فساد عميم .
الايام المقبلة ستحدد مستقبل الحوار الذي اذا ما تم – سيغدو أقرب إلى حوار طرشان وغير مؤثر بغياب جناح علي سالم البيض خصوصاً انه سيسهم في تفكك الحراك الجنوبي، ويُحْرِج الذين يسعون لمعازلة الرئيس عبد ربه منصور هادي، حيث الاخير يجد نفسه مكبلاً وسط هامش مناورات محدود وضيق، سواء في ما خص «حملته» على بقايا عائلة علي عبدالله صالح والحد من نفوذها وتقليم اظافرها واستعادة «السلطة» التي اغتصبتها، أم لجهة ارتفاع الاصوات الشعبية في الجنوب المنادية بالانفصال إلى درجة «تطهير» مدن الجنوب وبلداته من اي مواطن «شمالي» ما يشي بأن ثمة فصلا مأساويا جديدا يستعد اليمن... لعبوره.