آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

تحولات المثقف اليساري من الفكر الأممي إلى الإمامي!‏

شكل عقد السبعينات من القرن الماضي مرحلة انتشار وعلو لصوت التيار اليساري في العالم ‏العربي حيث سيطرت عناصر اليسار على منابر الإعلام والثقافة في مصر والعالم العربي وكان من ‏نتائج الاتفاق الذي أبرمه عبد الناصر مع الإتحاد السوفيتي أن سلم لليساريين المنابر الإعلامية والثقافية ‏في مصر ومعروف دور مصر وتأثيرها الثقافي والفكري في العالم العربي كما تغلغلت عناصر التيار ‏اليساري في كثير من الدول العربية في المنابر الإعلامية والثقافية وهنا لابد من إنصاف التيار ‏اليساري والقول بأنه كان ذكيا وسبق التيار الإسلامي في استخدام المنابر الإعلامية كمنابر لنشر الفكرة ‏ومخاطبة الجماهير الواسعة من خلالها في حين كان التيار الإسلامي ينظر بتوجس وريبة لبعض هذه ‏الوسائل الإعلامية المؤثرة كالتلفزيون وأكتفى بعض العلماء والدعاة بتحريمها ومنع أهله وذويه من ‏مشاهدتها.‏

لقد تبنى التيار اليساري الخطاب الأممي المناهض للراسمالية والمنحاز كما يبدو للكادحين ‏والعمال ضد الإقطاعيين والمستبدين وهو خطاب يستمد أدبياته من الفكر الشيوعي الذي تبناه الإتحاد ‏السوفيتي الذي شهد التناقض العملي الصارخ بين الفكرة والواقع حيث تأسس الإتحاد السوفيتي على ‏بحر من الدماء ومارس القمع وبقوة الحديد والنار وتعامل بدموية رهيبة مع كل مخالف لفكرته ثم ‏أنهار في الثمانينات كنتيجة حتمية لتجربة بشرية خاطئة وفاشلة.‏

الاشتراكي والحصاد المر
هنا في اليمن كانت التجربة اليسارية الاشتراكية في الحكم في الجنوب كافية لرسم صورة منفرة ‏ومخيفة عن هذا التيار الذي تسلم السلطة ثم شهدت أجنحته أبشع التصفيات والصراعات الدموية كما ‏مارس إرهابا بشعا بحق المخالفين والمعارضين من شتى التيارات ولعل حديث الأستاذ علي سيف ‏حسن في مؤتمر الحوار عن مجازر الاشتراكي بحق الناصريين وكشفه لأبرز أسماء الضحايا هو جزء ‏من هذه المجازر المسكوت عنها حتى فر كثير من العلماء ورجال الأعمال والمفكرين والسياسيين ‏للشمال ولم يكتف بهذا بل حارب الهوية الإسلامية المتأصلة عند أبناء الجنوب حربا لا هوادة فيها ‏وفرض الأفكار الشيوعية والأدبيات الماركسية المخالفة للتعاليم الإسلامية ولهوية البلد وثقافته في ‏المناهج التعليمية والمنابر الإعلامية والثقافية ورغم كل هذا الحصاد المر من الشيوعية والحكم ‏الإشتراكي ظل مثقفو اليسار يتغنون بالإنحياز للعمال الكادحين والوقوف بصف الفقراء ومحاربة ‏الاستبداد وغيرها من الأدبيات والشعارات.!!‏

الاشتراكيون والظاهرة الحوثية
وشكل بروز الظاهرة الحوثية في شمال اليمن اختبارا للنخبة وللفاعلين في المشهد السياسي وكان ‏الكثيرون يتعاطفون مع الحوثيين خلال فترات الحروب الست كونهم يواجهون بطش النظام الفاسد ‏ويواجهون كجماعة جيشا نظاميا لديه إمكانيات لا تقارن بإمكانياتهم ، كان المتعاطفون مع الحوثيين ‏وأولهم كتاب اليسار ينظرون للأمر من زاوية فساد السلطة وقبح نظام صالح الفاسد ولكراهيتهم لهذا ‏النظام الفاسد تعاطفوا مع الحوثي كأول الخارجين عليه والمجاهرين بمعارضته وكانت صحف ‏الاشتراكي والحسوبة على اليسار تطفح بكتابات وتناولات لكتاب من التيار اليساري والإمامي تتعاطف ‏مع الحوثيين وتؤيدهم إلا أنه بعد ظهور حقيقة الحوثيين البشعة كعصابة إرهابية تمارس نفس اخطاء ‏النظام السابق وفساده وتزيد عليها لم يبق كثير من كتاب اليسار هذا التعاطف مع الحوثيين بل انتقلوا ‏للتحالف في تناقض غريب ودليل على تخبط وتيه وضياع المشروع اليساري وتحول عناصره ‏لمجموعة من الإنتهازيين الذي يسعون لتأجير أقلامهم ومواقفهم لمن يدفع.!!‏

‏ ظهور حقيقة الحوثيين
ومضت الأيام ووضعت الحرب بين الدولة والمتمردين الحوثيين أوزارها وبدأ الحوثي يلملم شتاته ‏وصفوفه ويبني دويلته الإمامية وينتقم ممن وقف مع الدولة ضده من القبائل والمشايخ والشخصيات ‏الفاعلة واحدا تلو الآخر وبدأ يتقوي ويتلقى الدعم الإيراني وغيره ويبني مليشياته العسكرية وجاءت ‏الثورة الشبابية السلمية فدرس الحوثي الوضع وقرر الدخول في الثورة ضد نظام صالح وهو قرار لاقى ‏ترحيب من القوى السياسية في البداية والتي ابتعلت الطعم واعتقدت بصدق الحوثي في الدخول في ‏الثورة بينما اتخذ الحوثي من الثورة فرصة للتبشير بحركته وللتوسع والتمدد والانتشار وانخرط كثيرا ‏من الاشتراكيين واليساريين عموما في فعاليات الحوثي وأنشطته رغم ظهور حقيقته البشعه وانتهاكات ‏الجسيمة لحقوق الإنسان وعداؤه للديمقراطية والحرية والتبادل السلمي للسلطة وهي مفردات ظل ‏اليسار يدعو لها على مدى عقود من الزمان.!!‏

‏ وأخذت مليشيات الحوثي تتوسع بقوة السلاح لتستكمل مناطق صعدة وبدأت تتوسع في بعض ‏مديريات حجة والجوف وعمران مستغلة غياب السلطة وانشغالها بما يحدث في صنعاء وبدأت تصفي ‏الحسابات مع مخالفيها وتحاول استئصالهم كما حدث مع السلفيين طلاب دار الحديث بدماج وكما حدث ‏ويحدث للناشطين المخالفين للحوثي وكما حدث للمساجد التي دمرتها مليشيات الحوثي ولمدارس ‏تحفيظ القرآن وللقرآن الكريم ( مزق الحوثيين في عاهم حجة في إحد الجوامع ومدرسة تحفيظ القرآن ‏‏3000 مصحف وهذا موثق وبالصور وحولوا الجامع لمايشبه الفندق وهذا موثق أيضا) ولو كان في ‏هذه عصابة الحوثي الإجرامية خير ما قاموا بسب الصحابة كما تطفح بذلك ملازم سيدهم الهالك حسين ‏بدر الدين وأدبياتهم ولما تبنوا الكتاب المناهضين للإسلام وقاموا بإيواء محسن عايض " طاهش ‏الحوبان " في مران وهو يجاهر بسب الذات الإلهية ويعلن هذا في كل أنشطته والرسول صلى الله عليه ‏وآله وصحبه وسلم والذي يزعم سيد الحوثيين أنه جده يقول في حديث الإمام علي بن أبي طالب رضي ‏الله عنه عندما حدثه رسول الله صلى الله عليه و سلم بأربع كلمات : "لعن الله من ذبح لغير الله ,لعن الله ‏من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض" وهذا اللعن لن آوى المحدث ‏المبتدع فكيف بمن يأوي من يشتم رب العاليمن!؟

‏ كما تمارس هذه العصابة الإجرامية القتل الهمجي للمخالفين وسجنهم وزرع الألغام في حجة ‏والتي أودت بمئات الأشخاص بين شهيد وجريح وظهرت حقيقة الحوثي كمليشيات مسلحة وهمجية ‏تقتل على الهوية (للتوسع حول انتهاكات الحوثيين لحقوق الإنسان راجع تقارير مؤسسات وثاق لدعم ‏التوجه المدني) كما تسعى عصابة الحوثي للسلطة والتي هي اكبر هم لزعيم الحوثيين وسيدهم عبد ‏الملك بدر الدين ومبلغ علمه وغاية رغبته حيث يراها حق إلهي له منحه الله وهي ثيوقراطية ظل كتاب ‏اليسار يعاير التيار الإسلامي بها في حين كشفت المستجدات أن التيار الإسلامي إن وصل للسلطة فإنما ‏يصل عبر الشعب وعبر صناديق الاقتراع وعبر انتخابات نزيهة.!!‏

‏• اليساريون والتناقض العجيب

‏ ورغم الخطاب الحوثي الموغل في التخلف والهمجية إلا أنه لم يجد من مثقفو اليسار أي رد أو نقد ‏‏( باستثناء بعض الكتابات لفتحي أبو النصر ) بل لقد تغاضى مثقفو اليسار عن هذا الخطاب المناقض ‏للدولة المدنية وللديمقراطية وللحرية ولحقوق الإنسان وانخرط كثيرا من المحسوبين على الثقافة من ‏التيار اليساري في صفوف جماعة الحوثيين وشاركوا في انشطتها وفعالياتها ودافعوا عنها وكتبوا في ‏صحفها وظهروا في قنواتها كالمسيرة والقنوات المتعاونة معها كالعالم والميادين وبعضهم وفد على ‏سيد الحوثيين في صعدة وجثا على الأرض وقبل ركبتي سيد الحوثيين وقدميه متناسيا تلك الأفكار ‏والشعارات التي كان يرددها عن العبودية والاستبداد وقيمة الحرية في حياة الإنسان تناقض صارخ ‏وعجيب بين ما ظلوا يدعوا له من الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والمساواة وبين ما يمارسه ‏كثيرا منهم اليوم من الانخراط في عصابة همجية إرهابية باسم التحالف التكتيكي وباسم معاداة التيار ‏الإسلامي الذي إن جاء للسلطة فإنما يأتي عبر الشعب وعبر صناديق الإقتراع وبعضهم خصصوه ‏للهجوم على الإصلاح لخدمة الحوثيين وقد سافر كثيرا منهم للبنان وطهران وهيصوا وتلقوا الدورات ‏التدريبية والتعليمات على أيدي ملالي طهران وعناصر حزب الله في لبنان وبعضهم ظهروا في قوائم ‏الحوثيين لمؤتمر الحوار الوطني كالمدعو صلاح الدكاك وأمل الباشا وغيرهم.!!‏

الخلاصة
والخلاصة لقد كشفت الثورات العربية الكثير من الوجوه الكالحة التي كانت تتخفى تحت أقنعة ‏شتى وعرف الناس من هم الانتهازيون والنفعيين وبياعو الأفكار والقيم بأبخس الأثمان ومن هو التيار ‏الوطني من العميل رفعت الأقلام وجفت الصحف.!!‏

زر الذهاب إلى الأعلى