أقدم لمؤتمر الحوار مساهمتي المتواضعة في أهم القضايا التي يعالجها المؤتمر وأرى أنها ضرورية توضح رأيي وموقفي الشخصي وارجوا إن أكون قد توفقت وساهمة بتواضع في نقاش القضايا الساخنة وسأواصل مساهماتي ومناقشاتي في كل القضايا إنشاء الله أثناء سير أعمال المؤتمر ولجانه وفرق عمله لقد وصلت من الخارج قبل يوم واحد من انعقاد المؤتمر بعد أن تغيبت عن الوطن سنتين كاملة تحت العلاج والمراجعة الطبية في الخارج والحمد لله رب العالمين ودخلت مباشرة صالات المؤتمر .
الحوار واهميته :
إن الحوار يمثل قمة العقول الناضجة وهو وسيلة مهمة لمعالجة قضايا أكانت لأفراد أو لأسر وللفئات والمجتمعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فالحوار يفرض نفسه على الفرقاء بالقوة ولحاجة البعض يقبل به بعد تجربة وسائل أخرى تكون أكثر تدميراً مثل الحروب والمشاحنات والخسائر الفادحة بشرياً ومادياً والبعض يحتكم للحوار قبلها، فلا الحرب ولا التدمير يحسم قضايا المجتمعات ولكن الحوار كفيل بذلك ولنا نحن اليمنيين تجربة مريرة مع الحوار منذ خمسون سنة ولكن لا نعقده إلا بعد أن نخوض الصراع بوسائل أخرى أكثر قسوة من عملية الحوار .
إن الحوار أمراً لابد منه في كل الأحوال والظروف حتى بعد المعارك الطاحنة التي تدمر كل شي إلا انك تجد طرفي الصراع تنصاع إلى الحوار لتسوية الخلافات التي عجزت عن اتخاذها الوسائل الأخرى حتى من اجل أن يسلم المهزوم للمنتصر ويوقع وثيقة الاستسلام أو ينسحب من موضوع الصراع ويتنازل عن حقوقه لابد من الحوار .
إن هذه المسائل بديهية ومجربة وتدل دلالة لا ينكرها أي إنسان سوي يؤمن بأهمية الحوار فمنذ أن وجد الإنسان على هذه الأرض آمن بالحوار وقد أكدت على أجرائه بين المتخاصمين أو الفرقاء كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية كونه أفضل الطرق.
نحن في اليمن وبعد كل هذه الأزمات والمعاناة التي أوجدتها الصراعات والحروب نجد أننا قد اهتدينا اليوم لحل كل قضايا وطننا بالحوار وليس غير الحوار أي خياراً آخر إلا أنة من الواجب علينا طالما ونحن قد وصلنا إلى هذه القناعة التامة علينا الاعتراف الصريح والواضح بكل قضايانا الجوهرية التي ستكون محور مداولات المؤتمر والاعتراف يعني ان الاطراف التي ساهمة في بروز هذه القضايا والأزمات والصراعات عليهم جميعاً أن يبتعدوا عن التهرب من المسئولية ورميها على أطراف أخرى واعتراف القوى الرئيسية بمسئوليتها عن ما آل أليه من أزمة خانقة يعني استعدادها للبحث الجاد والمسئول وبموضوعية وشفافية في حلحلة هذه الأزمات المتراكمة التي صنعناها بأنفسنا أو شاركنا فيها أو سكتنا عليها حتى وصلت إلى ما وصلت إلية .
القضية الجنوبية :
القضية الجنوبية وحاملها السياسي الحراك السلمي الذي انطلق منذ 2006 م والذي أوصل الجميع إلى الاعتراف بالقضية الجنوبية كقضية سياسية بامتياز ونعترف في السلطة والمعارضة بأننا نحن من دفع الحراك الجنوبي إلى رفع سقوفه إلى ماهي علية اليوم وان على مؤتمر الحوار الوطني مراجعة هذه المطالب بعقول مفتوحة دون ضيق من خلال اعتراف جميع الأطراف المسئولة بالتالي :-
* أن الوحدة الاندماجية قد فشلت تماماً لأسباب موضوعية وذاتية ظهرت لاحقاً في الأزمة الشاملة التي تلتها في اقل من ثلاث سنوات بين الاطراف الموقعة عليها.
* كما أن الوحدة بالحرب قد فشلت أيضاً ويجب على الاطراف المتسببة في الأزمة مابعد الوحدة والحرب تحمل مسئولية ذلك كلاً حسب موقعة وبعد الاعتراف الصريح من قبل الأطراف الرئيسية والثانوية بمسئوليتها أمام فشل الوحدة الاندماجية والوحدة بالحرب سنجد ونحن نناقش في الحوار الوطني البدائل المناسبة والممكنة لحل هذه المشكلة الوطنية المعقدة باعتبارها الأولى على كل القضايا .
الأزمة الوطنية :
إن الأزمة الطاحنة التي اندلعت بقوة في مطلع 2011م لم تاتِ دفعة واحدة بل كان لها أسبابها ومقدماتها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والتي كانت تتراكم يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر وعاماً بعد عام والكل يعرف ذلك ومن أهم الأسباب والمقدمات هو فقدان الدولة لهيبتها وعجز كل القوى السياسية أكانت في الحكم أو المعارضة عن القيام بدورها في قيادة وإدارة الدولة والمجتمع وهذا أمر لا اعتقد أنه كان خافي على احد كما سبق هذه الأزمة حروب صعده العبثية وانتشار قوى التطرف والإرهاب والخلافات السياسية الحادة بين القوى السياسية الرئيسية في البلاد وفقدان كثير من مقومات الدولة وحالة الفقر والحرمان الذي يعانيه الشعب اليمني .
لقد كادت تلك الأزمة أن تؤدي بالوطن والدولة ليس فقط إلى حافة الهاوية بل كادت أن تصل به إلى الانهيار الكامل و إلى الدخول في حروب أهلية مدمرة وقد اتى ذلك بعد أن توازنت القوى في كل خطوط المواجهة بكافة الطرق والأساليب المدنية والعسكرية ,عند هذه النقطة بالذات أعترف جميع أطراف الأزمة بان النظام قد فشل في الاستمرار في قيادة الدولة والمجتمع على طريقته السابقة كذلك تم الاعتراف ولو ضمنياً بان الثورة قد فشلت ومعها كل القوى الحزبية والسياسية من الوصول إلى اقتلاع النظام وفرض شرعيتها الجديدة فكان لابد بعد هذا الفشل والانكسار الذي أصاب كل القوى المتنازعة حاكماً ومعارضة من البحث عن مخرج يستطيع من خلاله أن يتم إنقاذ الجميع وفي تلك اللحظة أتت المبادرة الخليجية التي ارتضاها ووقع عليها جميع أطراف الأزمة وعلى الجميع الاعتراف بهذه الحقائق حتى تبحث في الحلول .
إن ذلك يعني لنا في مؤتمر الحوار الوطني أن نبحث في الحلول لما عاناه اليمن خلال أكثر من خمسين عاماً من الحروب والصراعات التي تراكمت وأوصلتنا إلى ما وصلنا إليه من أزمة حادة لذلك علينا كما سبق وان قلت أن نبحث عن مخارج وحلول تخرجنا من هذه التجربة بالغة القسوة إلى رحاب الدولة اليمنية المدنية الحديثة التي ينعم فيها كل أبنائها بالعدل والمساواة .
إننا إذا ما أردنا أن نصل إلى صنع مستقبل أفضل والخروج من هذا الحوار الوطني الشامل بمخرجات تؤسس لليمن الجديد ولذلك المستقبل فعلينا أن نتحدث بشفافية في جميع حواراتنا حول كل القضايا المدرجة في جدول أعمال هذا المؤتمر .
أنه من الواجب علينا في هذا المؤتمر أن نبحث في صيغة وحدوية جديدة يقبل بها الشعب في الشمال والجنوب وفي الشرق والغرب نبحث عن دولة اتحادية فيدرالية يحميها ويحافظ عليها الدستور والقانون وأبنائها الذين سيحكمون أنفسهم قولاً وعملاً في دوله فيدرالية مهابة عادلة مؤسساتية في ظل تعددية سياسية واجتماعية وثقافية وفي إطار كل إقليم أدارة ذات حكم محلي يتمتع باستقلالية تامة مالية وإدارية حتى ننهي و إلى الأبد المركزية الشديدة والشمولية ولفتح المجال واسع أمام الحكومات المحلية في الأقاليم والمحافظات كي تتبارى في صنع مستقبلها الإداري والاقتصادي والأمني لتكون نموذج في الحياة الأمنية المزدهرة التي يحكمها القانون ولاغير القانون .
وهذه الوحدات سيضمن بقائها وتطورها ووحدة هويتها وكيانها الجغرافي الدستور والقانون الذي يحكم الكبير والصغير والحاكم والمحكوم .
إن من يصرون على بقاء الوحدة بشكلها القائم يتساوون مع من ينادون بالانفصال أنهم يلتقون في نهج واحد لتدمير اليمن واستمرار ازمته التي كادت أن تعصف به , إنه من الواجب علينا أن ننظر إلى ما خلفته المركزية الشديدة والمبالغ فيها من انعكاسات سلبية أدت إلى ما أدت إلية من احتقانات وإحساس بالغبن وقصوراً في التنمية لذلك يجب أن تنتهي هذه المركزية الشديدة .
ظواهر جديدة في الحوار :
إن هناك قضايا جوهرية جداً تميز هذا الحوار عن كل الحوارات والتجمعات التي عرفناها أو قرأنا عنها منذ مايزيد على خمسون عاماً.
إنه ولأول مرة لا يشكو المجتمعون من المؤامرات الخارجية التي تحاك ضد الشعب اليمني وثورته واهدافه التي ظلت ترافق الخطاب السياسي أكثر من نصف قرن وإنما نشكو في هذا المؤتمر من أنفسنا ومما خلفته لنا أنظمتنا السابقة واللاحقة والحالية إنها شكوى محلية خالصة وليس للخارج فيها أي ذنب كما كنا في الماضي نحمل الخارج كل عيوبنا وهذه ظاهرة جديدة مهمة للغاية ومشجعة على أننا بدأنا نعرف ونشخص الداء الذي صادر من أنفسنا وبالتأكيد سنجد له العلاج الناجح من خلال الحوار المسئول .
* ولأول مرة لا نكيل المديح للانجازات العملاقة التي كنا نكيل لها المديح على مدى السنوات الماضية في ضل مجاملات وتزلق للقيادات التاريخية وانجازاتها .
وإنما نسمع المتحدثون والمجتمعون يقدمون شرح وتفنيد ونقد جوانب القصور وسلبياته وبدون خوف أو مجاملة وفوق ذلك أنهم يقترحون الحلول وهذه أيضاً ظاهرة جديدة متميزة للحوار الوطني الشامل.
إننا ولأول مرة يقول كل واحد من المجتمعون راية بصراحة دون محاباة أو مجاملة ويطرح ما يعجبنا وما لم يعجبنا, إنه أول مرة نقول كل ما نريد قولة وجهاً لوجه دون محاباة وهذا من وجهة نظري سيوصلنا إلى نتائج ايجابية بأذن الله وحل عادل و مرضي لكل قضايا الوطن لقد كان المتحدثون قبل هذا المؤتمر يتكلمون حول القضايا محل الإجماع وما يرضي بعضهم البعض أو ما يرضي الحكام فقط وهذه من الأسباب السيئة التي ساعدت بل كانت من العوامل الرئيسية التي اوجده لنا أزمات متلاحقة .
إلا أن تلك الظواهر الجديدة والهامة بها ندخل مدرسة من مصارحة الذات والآخر مما يعني قبولنا ببعضنا البعض دون تجريح أو انتقاص أو استهزاء ولكن علينا التحاور الهادئ وبالمناقشة الجادة بمعنى الحجة بالحجة وبالعقول لا بالعواطف حتى نصنع مستقبل هذا الوطن العظيم انطلاقاً من اعترافنا ببعضنا وبأنه لا يوجد بينا ملائكة وشياطين كما كنا نتعامل في الماضي .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
* اللواء الركن احمد مساعد حسين
* عضو مؤتمر الحوار الوطني الشامل عن قائمة رئيس الجمهورية