الدور الرئيسي الذي تلعبه السعودية منذ اكثر من عامين لمنع انزلاق اليمن في حرب اهلية وسعيها لانتشاله من ازمته الراهنة ومواقفها الرسمية المؤكدة على أمن واستقرار ووحدة اليمن، يفترض معه أن العلاقات بين البلدين تمر بأفضل حالاتها، الا أن مايتعرض له المغترب اليمني في السعودية من اساءات وانتهاكات وترحيل قسري ،اضافة إلى الاخبار المتواترة عن خروقات سعودية لاتفاقية جدة الحدودية ، كلها تطورات تشير إلى خلاف ذلك وتوحي بوجود ازمة غير معلنة بين البلدين أو بالأصح تدل على وجود اشكالية مزمنة تحول دون تطور العلاقات بينهما.
من اجل فهم الاحداث الاخيرة لابد من النظر اليها من منظور اوسع يشمل العلاقات بين اليمن والسعودية و التطورات الداخلية في كلا البلدين وفي المنطقة ومدى تأثيرها على العلاقات بينهما، وسأحاول ايضاح ذلك في عدة نقاط وكمايلي:
- اولا طريقة تعامل السلطات السعودية المهينة مع اخواننا المغتربين على اراضيها غالبا ما تستفز مشاعر اليمنيين بمختلف اطيافهم وانتماءاتهم لما فيها من قسوة وظلم وانتهاك لأبسط حقوق المغترب الانسانية والمادية ،وقفزاً على وشائج القربي والدين والجوار والتاريخ المشترك.
- كما أن توجه الرياض الحالي لترحيل عشرات الالاف من اليمنيين فيه نكران وجحود للدور الكبير الذي لعبه المغترب اليمني في تشييد البنية التحتية للمملكة ،واذا ما قارنا طريقة تعامل دول الخليج الاخرى كالإمارات أو قطر سيما في الفترة الاخيرة يظهر لنا حجم الظلم والغبن الذي يتعرض له اليمني في السعودية، ومثل هذه الاجراءات تساهم في تعميق الشعور بالكراهية التلقائية في اللاوعي اليمني تجاه النظام السعودي،كما أن الحديث عن علاقات متميزة وحميمة في ظل هذا الوضع ليس سوى كلام في الهواء.
- وفي المقابل تمثل تصريحات وزير المغتربين في الايام الماضية بشأن العراقيل التي واجهها تقريره المرفوع إلى مجلس الوزراء قبل 6 أشهر، المتضمن جملة من التوقعات التي ستحدث وتؤثر على العمالة اليمنية الموجودة في السعودية، ومقترحات لمعالجة هذه المسائل ،تلاها عراقيل أخرى داخل المجلس لإقرار 9 نقاط تصحيحية لأوضاع المغتربين اليمنيين في المملكة كان قد بحثها القهالي مؤخرا مع الأمير أحمد بن عبدالعزيز وتجاوب الاخير معها، ،تمثل هذه التصريحات ادانة صريحة لحكومة باسندوة وتحملها مسئولية جزء كبير من معاناة المغتربين الحالية.
-لعل اسوأ ما في اتفاقية جدة الموقعة عام 2000م لترسيم الحدود بين البلدين عدم تضمينها فقرة تنص على معاملة الرياض لليمنيين العاملين على اراضيها كالسعوديين ،كما كان عليه الحال في اتفاقية الطائف ،واكتفى الوفد اليمني حينها بوعود شفهية من نظيرة السعودي بشأن ذلك.
- صحيح ان الاجراءات السعودية الاخيرة لا تستهدف العمالة اليمنية فقط وانما تشمل جميع الجنسيات العاملة على اراضيها ممن لاتنطبق عليهم شروط قانون العمل المعدل ،اضافة إلى ان هذه التعديلات تأتي ضمن توجه الحكومة السعودية لمعالجة مشكلة البطالة المتصاعدة بين شبابها ،والحرص على الحيلولة دون تحولها إلى اداة لوصول الربيع العربي اليها.
-اذا تعتبر هذه الاجراءات شأن سعودي داخلي وليس فيها أي انتهاك للاتفاقيات مع بلادنا ،لكن ذلك لايغير من حقيقة أن المغترب اليمني سيكون الاكثر تضررا من هذه الاجراءات ،والتي ستؤثر سلبا على صورة المملكة في الشارع اليمني ،كما انها تصب لمصلحة القوى المناهضة للسعودية داخل اليمن ،وهو ما يعني تقويضاً عملياً للجهود الايجابية التي تقوم بها القيادة السعودية لمساعدة بلادنا وافشالا لسياستها المتبعة تجاه اليمن، وهو ما يثير التساؤل هل يعقل أن السعودية لاتدرك ذلك؟
- ادراك القيادة السعودية بذلك يجعلها مطالبة بالتدخل لوقف أي اجراءات قد تضر بمصالحها في بلادنا ،كما أن خصوصية العلاقات بين الشعبين والدور الكبير الذي تلعبه الجالية اليمنية في الاقتصاد السعودي ،يجعل من البديهي معاملتها للجالية اليمنية بشيء من التميز عن باقي الجاليات المتواجدة على اراضيها .
-اما بالنسبة للأخبار المتواترة عن استحداثات جديدة للسعودية على الحدود فان الرواية الرسمية اليمنية تدحض ذلك ، حيث أكد محافظ الجوف في تصريح له عدم وجود أي توغل سعودي في الأراضي اليمنية بناء على تقرير لجنة من الاستخبارات اليمنية والسلطات الامنية زارت المناطق الحدودية ، مشيراً أن ما يحدث على الحدود هو قيام السلطات السعودية بمسح طريق ترابي واقع خلف علامات الترقيم من الجانب السعودي.
- يبدو أن هذا المسح هو مقدمة لاستئناف السلطات السعودية بناء سياج امني على الحدود كانت قد بدأت العمل فيه العام 2009م بهدف الحد من عمليات التسلل والتهريب، التي ارتفعت وتيرتها لدرجة ان بلادنا احتلت المرتبة الاولى عربيا قبل نحو عامين كترانزيت لتهريب السلاح والمخدرات إلى الدول الاخرى طبعا اغلبها يذهب إلى السعودية اضافة إلى تزايد ظاهرة تهريب الاطفال والاتجار بالبشر من اليمن إلى السعودية .
- من الواضح ان السعودية وجدت نفسها مضطرة امام هذه التطورات لبناء السياج الامني في الجزء التابع لها من المنطقة المخصصة للرعي على الشريط الحدودي البالغة 20كم خاصة مع ضعف قدرة الحكومة اليمنية في ضبط حدودها بل وفقدانها السيطرة على غالبية تلك المناطق خلال العامين الماضيين ،كما أن حكومة باسندوة لم يصدر عنها أي تحرك ملموس لاستعادة السيطرة على الحدود وضبط الحركة فيها ،المهم أن الاجراء السعودي رغم أنه يعتبر انتهاكا لاتفاقية جدة الحدودية ،لكن الرياض في الواقع تقيم السياج الامني على اراضيها.
- مما لاشك فيه أن أكثر المتضررين من السياج الحدودي هم مهربو السلاح والمخدرات والبشر ،والمرجح أن مثل هذه العمليات الكبيرة التي تدر على اصحابها ملايين الدولارات لايمكن أن تتم من جانب واحد،وان هناك شركاء لهذه العصابات في الجانب الاخر من الحدود من اصحاب المال والنفوذ .
-يبدو أن لوبي التهريب على جانبي الحدود يلعبون دورا غير مباشر في توتير العلاقات بين قيادات البلدين بهدف افشال أي جهود امنية مشتركة للحد من التهريب على الحدود وبصورة تذكرنا بدور لوبيات السلاح والنفط في الولايات المتحدة على صناعة القرار الأمريكي.
- رغم أن المعطيات السابقة تظهر ان ماتقوم به السعودية ليس بالصورة التي تحدثت عنها بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ،الا أن الواضح سعي قوى لاستغلال هذه التطورات لضرب العلاقات اليمنية السعودية عبر شن حملة اعلامية مكثفة ضد السعودية ،تقدم فيها صورة مضخمة وغير دقيقة للإجراءات السعودية على الحدود ،وكذا تستغل الخدمة التي وفرتها السلطات السعودية بتعاملها اللا انساني والمهين مع من تقوم بترحيلهم في حملتها لتأليب الشارع اليمني ضد النظام السعودي.
-اعتقد جازما ان دافع غالبية القوى المشاركة في الحملة على السعودية ليس نابعا عن حرصها على السيادة اليمنية أو تفاعلا مع معاناة والام المغتربين بقدر ما هو استغلال لفرصة متاحة لتصفية حساباتهم مع النظام السعودي وخدمة لمصالحهم واجنداتهم الخاصة.
- كانت وسائل الاعلام المحسوبة على الحوثي والحراك في مقدمة الوسائل الاعلامية المحرضة على السعودية ،واذا كان من المتوقع استغلال اعلام الحوثي والبيض تلك التطورات لاستهداف السعودية بحكم حالة العداء معها ،ومحاولة للتأثير على علاقات صنعاء بالرياض ،الا أن الغريب في الامر مشاركة وسائل اعلام محسوبة على الرئيس السابق في هذه الحملة التحريضية، وفي اعتقادي أن السبب راجع إلى وجود اعلاميين موالين للحوثي ومتعاطفين مع الانفصال في تلك الوسائل.
- الاكثر غرابة من ذلك مشاركة بعض الوسائل المحسوبة على الاصلاح وعلي محسن في مهاجمة السعودية ،فأخبار اليوم مثلا نشرت الاسبوع الماضي تقريرا يتهم فيه السعودية بدعم الانفصال ، في حين تتصدر الصفحة الثانية لثورة التغيير في اليمن المحسوبة على الاصلاح قائمة الصفحات الاخبارية على الفيسبوك من حيث متابعة ونشر الاخبار الخاصة بالمغتربين والاساءات التي يتعرضون لها،كما شارك كتاب اصلاحيين كعلي الجرادي مثلا في الحملة ضد السعودية .
-في اعتقادي ان ذلك يأتي ضمن تداعيات توتر علاقات السعودية مع جماعة الاخوان المسلمين في اليمن ومصر ودول اخرى ،خاصة مع الدعم القطري الكبير الذي تقدمه الدوحة لقيادات الاخوان في الدول العربية بما فيهم اخوان اليمن، وهناك حملة كبيرة في الاعلام السعودي ضد الاخوان، وكان للإصلاح نصيب منها ،حيث انتقد كتاب سعوديون سياسة الاصلاح في الجنوب على خلفية الاحداث التي وقعت في عدن في فبراير الماضي.
- وفي سياق متصل لا ننسى انه من حين لأخر تتناقل وسائل الاعلام اليمنية اخبارا عن برود في علاقات السعودية بالرئيس هادي ،تارة بسبب انزعاج الرياض من علاقات هادي المباشرة بواشنطن وتارة أخرى بسبب المرونة التي يتعامل بها هادي مع جماعة الحوثي.
- اذن ربما يفسر انزعاج الرياض من تحالف الاصلاح مع الدوحة والحساسية المفرطة من أي تقارب يمني مع قطر ،وكذا تحالف هادي مع واشنطن بعيدا عن أنظارها ،البون الشاسع بين الموقف الرسمي للمملكة المؤكد باستمرار على دعم يمن واحد، وبين تغاضيها عن نشاط وتحركات قيادات الحراك الانفصالي الرافضة للحوار وللوحدة اليمنية ،وحرصها في استخدام الجنوب كورقة ضغط وابتزاز لصنعاء.
-تفاوت بين كونها الداعم الاول للاقتصاد اليمني وبين الاجراءات التعسفية التي تمارسها بحق المغتربين ،الذين تعتبر تحويلاتهم المالية احد اهم مصادر الاقتصاد اليمني من العملة الصعبة ،تفاوت بين مختلف القرارات والبيانات الاقليمية والدولية التي كان للسعودية دور كبير في صياغتها وجميعها تؤكد على احترام سيادة اليمن على أراضيه وبين اجراءات مشبوهة ومستفزة على حدوده.
- بعيدا عن المزايدة والعاطفة الواقع يقول أن بلادنا ليس من مصلحتها بأي حال من الاحوال على الاقل في الوقت الراهن الانجرار وراء الدعوات المشبوهة الداعية إلى التصعيد مع السعودية خاصة أن اليمن تمر بأخطر المراحل على الاطلاق في تاريخها ،وهى في أمس الحاجة لاستمرار الدعم الخارجي لها ولوحدتها على وجه الخصوص ،وليس خافياً الدور السعودي في بلورة هذا الموقف الخارجي.
- صحيح أن السعودية في موقفها غير الرسمي تلعب دورا في ما يحدث في الجنوب لكنه لا يغير من حقيقة دعمها ليمن موحد ولكن مع ضمان بقائه ضعيفاً وتحت وصايتها كونها تدرك أن تقسيم اليمن أنما هو خطوة ستنتقل عدواها اليها عاجلا ام آجلا، من هنا يمكن فهم رفض السعودية لمطالب القوى الانفصالية منح الجنوب حق تقرير المصير كأحد مخرجات مؤتمر الحوار.
- في اعتقادي أن الحملة الاعلامية ضد السعودية - والتي يلعب فيها الحوثيون دورا رئيسيا - الهدف المخفي منها توتير العلاقات الثنائية لعل ذلك يكون دافعاً للرياض لان تكون عقبة امام أي توجه خارجي لمنح الجنوب حق تقرير المصير.
- وفي الاتجاه الاخر على الرياض أن تدرك اهمية ايجاد حل ملائم لمشكلة المغتربين وعدم استخدامها كورقة سياسية لان ذلك يضر بمصالحها وسياستها في اليمن، ويساعد في تقوية وتعزيز تواجد خصومها في المنطقة على الساحة اليمنية.