أرشيف الرأي

دورة العنف في جامعة صنعاء!

مؤسف الحال الذي وصلت إليه جامعة صنعاء، مؤسف ما حدث ويحدث في بعض الكليات من قفل للإدارات وتقطع مسلح لأعضاء هيئة التدريس بالكليات الفرعية، ومؤسف أن يحاصر مجلس جامعة صنعاء أعلى مؤسسة أكاديمية علمية في أكبر الجامعات اليمنية، وبالتالي كعضو هيئة تدريس أدين تلك الممارسات العنيفة التي لا تتصل بالقيم والأعراف الأكاديمية، ولكن السؤال هل تكفي الإدانة أم ضرورة النقاش الواعي لأسباب ذلك العنف الذي يصاحبه التناقص التدريجي للقيمة المعنوية للجامعة بكل مكوناتها.

في كلية الهندسة الكلية العلمية الرائدة تصاعدت الأحداث الأخيرة، هي كلية طلابها من النخبة العلمية في الجامعة وعميدها من سجاياه التي أعرفها شخصياً مخلق وهادئ، إذا لماذا تصاعدت الاحتجاجات وتلك رؤيتنا للكلية طلاباً وعمادة!!! بعد قراءة متأنية لما تناولته المواقع الإلكترونية والصحف حول المشكلة من وجهة نظر الطلاب والجامعة تبين أن مشكلات عتيقة كانت وراء شرارة الاحتجاجات، تلك الشرارة نجدها في معظم كليات جامعة صنعاء .

يطرح البعض إلى أن تلك الاحتجاجات موجهة سياسياً وللأسف تلك الرؤية مطروحة منذ سنوات كلما تصاعدت الاحتجاجات اتهمت أطراف سياسية معينة بها، وهنا نقول حتى وإن كان ذلك الافتراض صحيحاً فإن أخطاء من قبل الإدارة الأكاديمية هي من أتاحت الفرصة لتلك القوى لاختراق صفوف الطلاب .

ما نستطيع الجزم به أن غالبية طلابنا الأعزاء نفخر بهم فهم ليسوا دعاة فوضى بل طلاب علم، ونواة المشكلات هم قلة يستغلون أخطاء إدارية فادحة، تلك الأخطاء تمكنهم من حشد مجاميع طلابية تحت سقف المصلحة المشتركة، وحتى نكون على بينة فإن أبرز المشكلات العتيقة التي تعد سبباً للاضطرابات منذ سنوات يمكن إيجازها فيما يلي:

1- مشكلة القبول في الجامعة تغيب عنها الشفافية والوضوح، فبداية تعلن القدرة الاستيعابية للكليات والاقسام، ويتم في بعض الكليات قفل القبول مع اكتمال الأعداد، كما تعلن بعض الأقسام عن إجراء اختبارات مفاضلة، ولثقة المتقدمين بما يصدر عن لجان القبول ينصرفون للتسجيل في أقسام أو كليات أو جامعات أخرى، ثم يكتشفون بعد ذلك أن زملاء لهم تمكنوا من التسجيل وأن آخرون فشلوا في اختبارات القبول في الاقسام وتبين أنهم قبلوا، وبالتالي فالفساد المصاحب لعملية القبول وعدم الشفافية يمثل أول الجدران المعنوية للجامعة سقوطاً، فتهتز قيمة الجامعة والكلية والقسم وأعضاء هيئة التدريس لدى الطالب الجديد، حيث تتحول هيبة الجامعة كمؤسسة أكاديمية إلى إدارة بسيطة لا تختلف كثيراً عن إدارات الدولة سيئة السمعة لدى عامة الناس، وبذلك تكون البذرة الأولى للسلوك العنيف المفترض من قبل مثل هؤلاء الطلاب، وهذا لا علاقة له بالتجاذبات السياسية بل هي صورة مجردة من صور الفساد الإداري، وينسحب هذا الحال على قبول طلاب الدراسات العليا فكثيراً ما يقال للمتقدمين للدراسة في الداخل أو الخارج هذه الضوابط الرسمية، وبعض من يسلمون بما يقال لهم ربما يعودون إلى بيوتهم مقتنعين، فإذا بهم بعد سنوات يكتشفون أن ما قيل لهم من ضوابط كانت آنية وأن زملاؤهم المشارعين والشطار من الذين يماثلونهم في الشروط أصبحوا طلاباً أو مبتعثين منذ زمن .

2- مشكلة رصد النتائج والترفيعات من القضايا التي طرحها طلاب كلية الهندسة لتبرير احتجاجاتهم، فهم يقولون أن النتائج واختبارات نصف الفصل تأخرت حتى الاسبوع الماضي وذلك كما يقولون سبب مطالبتهم بأسبوع تأخير للاختبارات، حقيقة لم نسمع رداً من عمادة كلية الهندسة حول ذلك، ولكن تلك المشكلات فعلاً تحدث في غالبية كليات جامعة صنعاء، وتبدأ المشكلة بتأخر نتائج التصحيح يعقبه تأخر الرصد ثم تأخر الترفيع ومن الطبيعي أن تتأخر البطائق، حتى أن بعض الكليات الفرعية تسمح للطالب بدخول الاختبار بالبطاقة الشخصية، بل أن بعض الطلاب ونتيجة متاهة متابعة النتائج قد يترك الجامعة ويتوقف عن الدراسة، من المؤسف أن تلك المشكلة العتيقة في جامعة صنعاء لم تتصدى الإدارات الجامعية المختلفة لمواجهتها، بل أن عمليات الرصد ونشر النتائج لازال يتبع فيها الأساليب السائدة من القرن الماضي على الرغم الثورة التكنلوجية الهائلة التي يشهدها عالم القرن الواحد والعشرين، ومن المؤسف وجود قوى تقاوم أي تغيير إيجابي في هذه الأليات، فمن تجربة شخصية تولى أحدهم مسئولية الاختبارات في كليته منذ خمس سنوات وبعد أن لاحظ معاناة الطلاب اقترح على عمادة الكلية تبرعه الشخصي بإنشاء صفحة انترنت خاصة بالكلية وتبرعه بنشر النتائج عبرها دون أن تتحمل الكلية أي نفقات، حينها أعجب عميد الكلية بالفكرة، وبعد ساعات اتصل عميد الكلية معتذراً لعضو هيئة التدريس كون نائب رئيس الجامعة رفض الفكرة وأن الجامعة بصدد نشر نتائج جميع الكليات على موقع جامعة صنعاء، طبعاً حتى الآن ومع تعاقب رؤساء ونواب رؤساء الجامعة لم يتم شيء من ذلك على الرغم من اعتماد موازنة فعلية من قبل إدارة الجامعة خلال تلك الفترة لهذا الأمر، أين ذهبت الموازنة ولماذا لازال الطالب يركض حتى الآن بحثاً عن النتائج...إلخ.

وتلك المشكلة تنسحب على إجراءات التخرج حيث يقضي بعض الطلاب عام كامل لمتابعة إجراءات التخرج نتيجة المشكلات التي تسببها عملية رصد النتائج والتسيب الوظيفي، ومن العجيب أن مدارس أساسية وحكومية اليوم تقدم النتائج شهرياً ومطبوعة لطلابها عبر برنامج اليكتروني بسيط، بينما جامعة صنعاء بعراقتها وحجمها تغيب عنها تلك الألية البسيطة التي يمكن استعارتها من مدرسة اساسية!!!

3- مشكلة انتماء الطالب الاجتماعي للجامعة : تعاني كليات الجامعة من شبه قطيعة مع الطالب فالطالب دوره يقتصر على حضور المحاضرة والعودة إلى المنزل، وبالتالي يفتقد إلى الحد الأدنى من الارتباط بمؤسسة العلمية والعاملين بها، وحتى حضوره إلى القاعة وخاصة إن كان في قسم علمي يواجه بعدد من المشكلات بداية بالتجهيزات المعملية المحدودة ونهاية بالمعاملات التعسفية من بعض أعضاء هيئة التدريس أو العاملين الإداريين، كما تفتقد الكليات إلى برامج علمية وأدبية ورياضية منتظمة تعزز من المشاركة اليومية للطلاب والتفاعل فيما بينهم ومع الكليات والجامعة، ومن المؤسف إن وجدت بعض الأنشطة المحدودة تربطها بعض الأطراف بتجاذبات سياسية تخرجها عن هدف تعزيز السلام والتواصل الاجتماعي وتحولها إلى بؤرة أخرى من بؤر العنف والصراع.

أخيراً إن دورة العنف في جامعة صنعاء نتاج لضغوط نفسية متراكمة بعض أسبابها سبق الإشارة إليها ومن الصعب السيطرة عليها أو إيقافها إذا لم نعالج أسبابها، ومع رفضنا للممارسات العنيفة من قبل بعض الطلاب، إلاَّ أننا نقف في نفس الوقت مع الطالب المجتهد الذي يتضرر من إجراءات العقاب الجماعي، ونقف في نفس الوقت مع الطالب المظلوم الذي لا يجد من يرفع عنه ظلامته إن كانت توافق النظام والقانون، لذا ندعوا لتشكيل مجلس أكاديمي استشاري أعلى وطني وطوعي من كبار الأساتذة المتقاعدين، نقول طوعي بدون مزايا مادية- حتى لا يتنافس عليه المتسلقون- ويملك سلطة فنية وتشريعية مهمته وطنية خالصة هدفها رفع مستوى الأداء في الجامعة ومحاصرة العنف والفساد، يقدم إليه الطلاب والإداريين وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة أي شكوى تتصل بالمخالفات القانونية التي تمارسها الإدارة، ويكون هذا المجلس الحَكَم بين الإدارة والمتظلمين ويحدد ما يتوافق وما لا يتوافق مع الأسس القانونية والادارية والأعراف الأكاديمية بناء على ردود علمية واضحة، ويقترح أيضاً المعالجات المنطقية لمشكلات الجامعة، ونعتقد أن الطالب سيكون أول المستفيدين لأنه سيجد الجهة التي تتبنى ما يتعرض له من ظلم أو تقنعه بعدم شريعة مطالبه.

زر الذهاب إلى الأعلى