أوجعت قرارات الرئيس بتوحيد الجيش وتغيير قياداته التي تشكل مراكز قوى نافذة، أحمد بن فريد الصريمة ومن يقف خلفه فذهب إلى الهلوسة بالسقف العالي.
خرج الصريمة عن رشده وعقلانيته التي ظهر بها وهو يردح في شخص البيض ، وعاد إلى عمان بعد اطلالة قصيرة على الجنوب وقضيته الذي يرتديها الآن كعنوان تجاري وبرواز مكمل يحتاجه رجل أعمال نافذ ، أكثر من كونها قضية يؤمن بها ، حتى في سقفها المتطرف واللاواقعي الذي جعجع به في رسالته وبدا بائساً كمن يلبس ثوبا غير ثوبه وهو يستعير نقاط المفكر محمد حيدرة مسدوس. من بين كل النقاط التي عدها الصريمة يبرز اعتراضه على قرارات الرئيس التاريخية بتوحيد الجيش وتقسيم مسرح العمليات على جغرافيا الجمهورية اليمنية في المناطق العسكرية السبع باعتباره العِلةْ وممكن الوجع الذي أفقده صوابه.
بقية البرق والرعد الصريمي عن حيثيات مؤتمر الحوار ، وأنها استبعدت حق تقرير المصير ، وأن الوحدة انتهت ، وأن صنعاء غير مناسبة للحوار وغيرها من النقاط مجرد تكملة عدد للوجع الوحيد الذي طار بالصريمة من صنعاء إلى عمان : توحيد الجيش. كل النقاط الإضافية إذا افترضنا انه يؤمن بها كانت تحتم عليه أن يكون بجانب صديقه اللدود في بيروت وليس في فندق موفمبيك من البداية وليس الآن.
وهو لم يكن ليذكرها لو أن الرئيس جاراه في أوهامه وأبقى الجيش مشلولاً ومشتتاً ومنقسما وخاضعاً في قراره بالعاصمة صنعاء لهيمنة مراكز القوى. هذا على افتراض أن الصريمة ومن وراءه يهدفون إلى بقاء الجيش مشلولاً ومنقسما ليسهل لهم تجزئة اليمن في ظل حالة مرتبة من انعدام الوزن وشلل الدولة وغياب الرؤية الوطنية الجامعة. أما إذا كان السبب هو ماراج عن تطلعات ذاتية للتاجر الصريمة لتبوؤ منصب نائب الرئيس ، فيكون قد هبط إلى قاع أعمق من قاع المزايدة بالسقف العالي المعرقل. ضمن ما قاله الصريمة عن رفضه للمناطق العسكرية إشارته إلى أنها تحسم مسألة الأقاليم المتعددة.
وهذا قول فيه خبل لأن مؤسسة الجيش مؤسسة موحدة ليس فقط في ظل الأقاليم المتعددة والفيدرالية بأقليمين ، بل حتى في ظل الدول الكونفيدرالية.
أما تقسيم مسرح العمليات إلى مناطق فيخضع لمعايير عسكرية ولوجستية وفق مهام الجيش واستراتيجيته الدفاعية ، ولا يتطابق بأي حال من الأحوال مع الأقاليم سواء كانت متعددة أو ثنائية.حتى الأقاليم المتعددة فيما لو اسفر عنها مؤتمر الحوار فإنها ستقام وفق معايير اقتصادية وتنموية و إلى حد ما ثقافية وليس على معايير شطرية أو مناطقية أو مذهبية. فلا يوجد أصلا في اليمن إمكانية لإقامة أقاليم صافية للزيود أو الشوافع أو الجنوب والشمال أو مطلع ومنزل لأن الانعزال التام للجماعات المذهبية أو المناطقية أو الشطرية غير موجود في ظل تداخل واختلاط اليمنيين الذين فرقتهم السمات ماقبل الوطنية التي هيمنت طويلا على مؤسسة الدولة وأعطتها طابعها ، على العكس من تعايشهم واختلاطهم وغفلة وعيهم الجمعي عن خطوط الطول والعرض للمذهب والمنطقة والشطر والمنطقة.
نعود إلى الصريمة الذي قال: إن ضمن مطالبه إعادة توزيع ميزانية المجندين الوهميين لتوظيف البطالة في محافظات الجنوب بالتساوي ، وهو إقرار بضرورة وجود الدولة واستعادة مؤسساتها وأولها مؤسسة الجيش ، وهذا الإقرار بضرورة الدولة وإقدامها على المضي في مسار تهيئة الوضع في اليمن كلها يتناقض مع الجعجعة والطنطنة في بقية نقاطه التي تدور حول تقرير المصير والتفاوض بين شمال وجنوب خالصين.
قرارات الرئيس صنعت فارقاً إيجابيا في جميع الملفات وعلى رأسها ملف استعادة الدولة. وانعكس ذلك إيجابيا في تهيئة مناخ إيجابي يعزز الثقة بالحلول القادمة للقضية الجنوبية وبناء الدولة وصعدة وغيرها من القضايا. أما من طاروا فجأة عشية القرارات فربما فعلوا ذلك تحديدا لأن إمكانية الحل أصبحت ممكنة وهو ما لا يريدونه على وجه التحديد. فكلما شٌلت الدولة وتعقدت الأمور رفعت أسهم السيناريو الأسود للجنوب والشمال .. الانفصال.