في العنوان استرجاع مقصود للمثل العربي القديم ذلك الذي يشير إلى عودة حالات السوء بعد أن كانت قد انقشعت، و»حليمة» امرأة كانت قد أعلنت توبتها وصلح أمرها بعد سوء ثم عادت بعد التوبة إلى سيرتها الأولى، وحالها في هذا يشبه حال في هذه العاصمة العريقة، فقد عانت خلال العامين الماضيين أشكالاً من التخريب المتعمد على أكثر من صعيد وفي مجال الكهرباء والمياه خاصة ثم صلح حال هذين المرفقين ومرت عليها شهور وهي إلى حد ما على ما يرام.
وكان الأمل أن يزداد وضع هذه المرافق تحسناً بعد انعقاد المؤتمر الوطني، ثم بعد الهيكلة الأخيرة للجيش وما قيل من أنها قد وضعت هذه القوة الوطنية الضاربة في يد الوطن لا في أيدي مراكز القوى المتصارعة، وصار في إمكانها أن تؤدي رسالتها التي هي رسالة كل الجيوش الوطنية في العالم، في تأمين الأوضاع وحماية الحدود ورد الاعتداءات الخارجية وحماية الوطن من الفوضى والعبث ومن تخريب المرافق العامة وتثبيت الاستقرار.
لكن المقلق والمؤسف أنه بعد اتخاذ هذه الإجراءات الهادفة إلى مواجهة الفوضى ودعم الاستقرار وإشاعة حالة الأمن والتسامح والحوار تعود الأمور فجأة إلى ما كانت عليه من تقطع وتدمير للمرافق الحيوية، واستمرار الإطفاءات الطويلة للكهرباء التي أعادت إلى الأذهان ما كان يحدث في الأيام السوداء، أيام اشتداد الصراع وارتفاع درجة العنف والظلام، واضطرار بعض سكان العاصمة مغادرتها إلى الأرياف القريبة أو البعيدة.
ما الذي حدث؟ هكذا يتساءل الناس وبدأ المثقفون يستعيدون المثل العربي القديم الذي جاءت الإشارة إليه في عنوان هذا الحديث وهو (عادت حليمة لعادتها القديمة) فقد انطفأت الكهرباء في جميع الأحياء ولساعات طويلة وتوقف مشروع المياه عن الوصول إلى المنازل لأيام، وعاد الوجوم إلى وجوه الناس بعد أن كان قد اختفى وحلت محله إشراقات الأمل ، وبدأت التساؤلات المرة تتوالى: إلى متى نظل مقهورين، يقهرنا الرغيف، وتقهرنا الكهرباء، ويقهرنا ماء المشروع الحكومي الذي لا يأتي إلا أحياناً وكأنه نوع من العطور النادرة؟ وكيف تستقيم حواراتنا ونظامنا ونحن لا نشعر بأدنى حد من المسؤولية تجاه الاحتياجات الضرورية؟ وأعترف أنه لا يثير قلقي وخوفي سوى ذلك الصنف من الناس المتنفذين والقادرين الذين لا يؤرقهم ما يحدث للوطن ولا يحركهم أنين الشارع وما يخفي وراءه من صخب هادر وانفجار عنيف.
إن عودة التقطعات إلى ما كانت عليه وعجز المرافق الحكومية عن تحقيق الحد الأدنى من الخدمات الضرورية يسيء إلى كل الإجراءات التي تم اتخاذها في الأسابيع القليلة الماضية ويجعل من كل محاولة للخروج بالبلاد من أزماتها الطاحنة والمتلاحقة أمراً مستحيلاً مع ما يرافقه من إضعاف لشرعية الدولة التي هي ضمان للجميع. ولعل تلك الصيحات العفوية غير المحسوب أثرها والتي كانت تعلن دون وعي كاف بسقوط النظام وتدمير الدولة قد تركت أثرها الخاطئ على عقول كثير من دعاة الفوضى الذين يتناسون أن الشعب - أي شعب - لا يكره النظام وإنما يكره الذين أساؤوا استخدامه لمصالحهم، وهو لا يكره الدولة وإنما يكره الذين جعلوها «شركة محدودة» لأصحاب المصالح والمتنفذين فسقطت هيبتها وتدنت مكانتها، لذلك فنحن الآن، وفي كل حين أحوج ما نكون إلى النظام وإلى الدولة وإلى القوانين التي تساوي بين جميع المواطنين.
وإلى أن يتم ذلك فلا مناص على من يتصدرون حكم البلاد الآن أن يعملوا على توفير الحد الأدنى من الأمن والحد الأدنى من الكهرباء والحد الأدنى من الماء، والحد الأدنى من لقمة العيش أو يعلنوا عن عجزهم وعدم استطاعتهم توفير الحد الأدنى من المتطلبات الآنية.
الأستاذ أحمد عبدالرحمن السماوي في كتابه الجديد :
دائماً يسعدنا ويمتعنا الأستاذ أحمد السماوي بكتبه البديعة التي تمحورت حول رحلاته إلى الغرب والشرق. وكان قد بدأ برحلة إلى الأندلس (إسبانيا) وها هوذا في كتابه الجديد يتجه شرقاً. وعنوان كتابه الجديد «كنت في الجنة التي فُقدت من أبينا آدم» وفيه يطوف بنا في أجمل مناطق الأرض وأكثرها احتفاء بجمال الطبيعة (سنغافورة).
وما أكثر الذين رحلوا إلى هذه الأماكن وأماكن أخرى لكنهم لم يتعودوا أن ينظروا إليها بعيون قلوبهم، ولا يلتقطون منها سوى العابر الذي لا يثير الاهتمام. يقع الكتاب في (125) صفحة من القطع المتوسط ومصحوب بمجموعة من الصور التي التقطها المؤلف لعدد من المناظر التي شدت اهتمامه.
تأملات شعرية :
الأمور هنا
مثلما كانتِ الأمس
سيئةٌ.
انتظر لا تجيء
ارتجل وطناً في خيالك
واسكن إليه ونم في سلامْ.
وإذا نمت فاحلم
بأن الجدار الذي يشبه الليل
قد ذاب
وانقشعت دورات الظلامْ.